لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حفلة الرقص والموت

06:32 م الخميس 08 مايو 2014

الكاتبة الصحفية داليا وحيد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم- داليا وحيد:

''ناس بترقص وناس بتموت.. وأعلى صوت في الحفلة صوت السكوت'' أقرب ما يمكن أن يخطر بذهنك حين اصطحبك معي إلى حفلي المتواضع...

الحفل الذي بدأ يوم الجمعة، ككل جمعة بسلسلة الانفجارات المعتادة التي تتبعها ''ياحرام'' أو ''ياعيني دا شكله صغير'' أو قلب المحطة ''مللاً'' من مشهد الدم الاعتيادي وصوت نشرة الأخبار الرتيب ''تفجير كشك أمن بمصر الجديدة مما أدى إلى بتر قدم ملازم وهو في حالة خطرة ووفاة عسكري أمن مركزي''.

ساعتان وتبدأ أولى مراسم الاحتفال بحفل زفاف ابن أكبر بلطجي في منطقة شعبية تتوسط حي راقي كبير، بحضور ضباط الأمن والمباحث رافعين فوهات الأسلحة بتحيات أشبه بحقل ألغام أقلق حجر ثباته، في خيمه كبيرة أُسدلت على الكحول والمخدرات...!

على بعد كيلومترات قليلة لن تجد بامتدادها لجنة أو شرطي مرور أو حتى فزاعة!، يسكن ضابطاً كبيراً بأحد القطاعات، حسن الخلق يتسم بحسن السير والسلوك وبعيدا عن المشاكل، يُعد حفلا صغيراً بعيد ميلاد ابنه ذو العامين، في زحمة عارمة من العساكر، أحدهم يفرش الكراسي، و الآخر يُحضر البوفيه الذي أحضره من المطعم، والثالث يأتي بباقي مستلزمات الحفل وآخرين للحراسة....! ومن منا بات يعرف مهمة العسكري الأساسية إلا أنه ''الدادة''!

تخرج من ذلك الحفل العارم بالأطفال، كيلمومترات قليلة إضافية، تمر بميدان رمسيس باتجاهك إلى منزلك، في الراديو تستمع إلى تطورات المسرحية الانتخابية في مشهد لا بأس به من الترهات والكلمات ثقيلة الظل لاتسمن ولا تغني من جوع فما بالك بما نحن فيه من مجاعة!

وأخيراً تعود تسترخي على سريرك عابثاً على ''الفيس بوك'' بانتظار نسمة نوم تأتي لاتخذك الى عالمها الأقل فوضى، فتصطدم عينك بوجهٍ تعرفه جيدا وكلمات تكتب على صفحته الشخصية تكاد تكون طلاسم مبهمة لا تحمل لها أي معاني في قاموسك، أوقعها ''الله يرحمك يا صاحبي!'' ليست بالجملة الهينه اذا ما لامست دائرة معارفك والاسوأ ان تكتشف ان دائرة الأحداث تتسع لتبتلع من لهم صلة بك، أصدقاءك، أحبائك، أهلك...

حين تتوالى أمامك الأخبار، ''انفجار!، سيارة تابعة لسيارات القوات المسلحة!، انتحاري!'' وتعج الدنيا بالسواد وأنت مُنكب على الاسم، تقرأه مراراً وتكراراً كتلاميذ الكُتّاب، تحاول ترتيب الكلمات المبعثرة في ذهنك حتى تفك الشفرة التي اخترقت قلبك لسبب لم تستقبله اجهزة عقلك بعد، حتى تبدأ بالاستيعاب بعد ساعات ابتلعها الهلع أن صديق لك، تعرفه حق المعرفة، كان يعمل ملازم أول بوحده الصاعقة بالجيش المصري بمركز أنشاص لمدة ثلاث أعوام ختمها منذ ثلاثة أشهر، يُعرف بالنزاهة والاحترام والتقدير لعمله، انفجرت به قنبلة يدوية وضعت بسيارته التي لم ينزع عنها شعار القوات المسلحة بعد، في صخب من تصريحات وفتاوي عن كونه انتحاري، اخوان، بلطجي، ونفْيّ لأحد المسؤولين في الجيش انتماءه للقوات المسلحة!، علما بأن تصريحه أتى قبل التحقق الكامل من هوية المتوفى من الاساس، ولا مانع من اضافة ''سارق السيارة من الجيش''، وهرج ومرج واسفاف اعلامي لا حصر له.

في ميدان رمسيس الذي مررنا به منذ قليل أصبح الآن مسرح لحكايه الشهيد بأذن الله ''بسام أحمد رضوان''، ومن قبله المئات ومن بعده ربما الآلاف يكفي أن نعلم أننا نخسر أجود ثمراتنا من الشباب بسبب نشترك فيه بشكل أو بآخر بكل خطوة خاطئة نخطوها في مهزلة من الفوضى العشوائية تُنزل علينا لعنتها، فيأتي اليوم الذي يُسدل فيه الستار بصورة بسام ببذته العسكرية ووجه البسام يحمل فوق رأسه شريطة سوداء مالة على اليسار عوضا عن الباريه الذي تحتفظ به سيارة اعدامه في مقعدها الخلفي، تُكتب جملة ''The End'' التي هي مجرد بداية لنهاية أخرى، يقف الجمهور ويصفقون بحراره غير مدركين ان لكل منهم ''بسامه'' الذي يمكن أن يفقده في مولد ناس فيه بترقص وناس بتموت وناس ''بتطبّل'' لناس بتدوس على البشر بمنتهى الجبروت.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: