إعلان

جماعات الموت

د. ياسر ثابت

جماعات الموت

د. ياسر ثابت
07:01 م الخميس 01 فبراير 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

يُعدّ التطرف ظاهرة معقّدة ومتشابكة تشترك في بروزها في المجتمع عوامل وأسباب عدة، حيث تتداخل العوامل الشخصية والنفسية مع الثقافية والسياسية والاقتصادية، لتشكِّل ظاهرة التطرف والإرهاب التي تحقق أهدافها بممارسة العنف والقتل، وتحسم خلافاتها بإلغاء الآخر وإقصائه من الوجود‏.

‏وهناك بعض العوامل التي تزيد من حدة التطرف والإرهاب واستمرارها، منها معاملة التطرف بتطرف مضاد، ومواجهة إرهاب الأفراد والجماعات بإرهاب الحكومة، والاقتصار على الوسائل القمعية دون البحث والتعامل مع جذور المشكلة‏.‏

إنّ الكشف عن جذور التطرف والعنف والإرهاب، والتي يترتب عليها التكفير، ومعرفة أسبابه، يُعدّ من أشد الموضوعات خطورة وأثرًا، الأمر الذي يترتب عليه أن يتم دراستها بتعمقٍ وتأنٍّ واستمرارية؛ ذلك لأنّ المسلمين اليوم، وهم يواجهون مشكلات الحضارة وتحديات العصر ومعركة البقاء، يجدون أنفسهم في مواجهة هذا الأمر داخليًا.

من هنا تأتي أهمية كتاب د.يوسف حسن يوسف «جماعات الموت: جذور العنف الديني» (دار اكتب، 2016)؛ إذ يرى المؤلف أن الكشف عن جذور التطرف والعنف والإرهاب، والذي يترتب عليها التكفير، ومعرفة أسبابه، يُعد من أشد الموضوعات خطورةً وأثرًا، الأمر الذي يستدعي أهمية دراستها بتعمقٍ وتأنٍ.

الشاهد أن العنف والإرهاب يمثلان ظاهرة منتشرة في أنحاء العالم، ومن خلال تتبع ظاهرة الإرهاب في سياقها التاريخي يلاحظ عدم ارتباطها بدين معين، أو جنسية بذاتها، أو منطقة جغرافية دون أخرى. وقد شهدت عصور التاريخ المتعاقبة حوادث إرهابية متفرقة سعى مرتكبوها -في أحيان كثيرة- إلى تبريرها وفقًا لمعتقداتهم الدينية أو السياسية.

ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول وبابين، تتناول فصولها الثلاثة الأولى مظاهر التعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية خلال العصر الإسلامي، في حين تطرق الفصل الرابع إلى آثار التعصب المذهبي وأسبابه وعلاجه. أما الباب الثاني فهو مخصص للحديث عن خفايا الحركات الجهادية وأهم الحركات الإسلامية.

يقول د.يوسف حسن إن التيار السلفي الجهادي انبثق من رحم المدرسة السلفية التقليدية، في الثمانينيات من القرن العشرين، إثر اجتياح القوات السوفيتية لأفغانستان، ومع توجه واشنطن للاستعانة بالإسلاميين لمواجهة الشيوعية الزاحفة -حينذاك- نحو المياه الدافئة. هذا التيار تعضَّد بالمجاهدين العرب الذين قادهم د. عبد الله عزام، وهو وإن كان من جماعة الإخوان المسلمين ابتداءً، لكنه تأثر أكثر بفكر سيد قطب المتميز عن المقولات الرسمية للإخوان، ويمثل عزام مدرسة إخوانية متأثرة بالسلفية دون أن تذوب فيها (ص 247).

سلفية أخرى نشأت في مصر الرافد الثاني لتنظيم «القاعدة» لاحقًا، وهي تتخطى المنطق السني التقليدي وكذلك التوجهات السلفية المعروفة التي تتحفظ تتحفظ على أي محاولة للثورة ضد الحاكم الظالم ما دام مسلمًا في الظاهر. وهي سلفية جهادية بهذا المعنى وانطلقت إلى أفغانستان وهي تحمل هذا الفكر المعتمد على كتابات ابن تيمية بشكل أساسي. وهناك في أفغانستان تفاعل التياران المتشابهان المترادفان، فابتعد السلفيون الجهاديون في الخليج بشكل متدرج عن المرجعية التقليدية دون أن يتخلوا عن ميراث محمد بن عبد الوهاب، وتميز السلفيون القطبيون (المصريون وغيرهم) على مراتبهم المختلفة عن تيار الإخوان المسلمين، بل انشقوا عنهم قولًا وفعلًا في نهاية الطريق.

وحين تمكنت حركة طالبان من السيطرة على معظم أفغانستان بات على «القاعدة» التعامل مع سلفية من نوع آخر، لا علاقة لها بالوهابية، لكنها تلتقي معها في كثير من الأمور. فالطالبانيون تابعون مذهبيًا للإمام أبي حنيفة النعمان، وهو رأس مدرسة الرأي لدى أهل السنة، وهو مقل في الاحتجاج بالحديث النبوي. لكن مسلمي شبه القارة الهندية الذين نبغ منهم علماء حديث كبار في القرون الحديثة، أوجدوا مؤالفة غريبة بين نصوص الحديث وقواعد الفقه الحنفي، أي ظلوا أتباع المذهب مع ترجيح العمل بالحديث وتحكيمه بالفقه. وطالبان تبعًا لذلك، سلفية حنفية مختلفة عن السلفية الحنبلية (نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب السني الرابع) وعن الوهابية انتهاء (ص 248).

يرى د.يوسف حسن أن سيد قطب يعتبر المرجع الثاني المشترك بين التيارين السلفيين المتعاضدين في البداية المندمجين أخيرًا بما سمي بـ«قاعدة الجهاد»، والمؤلفة من تنظيم القاعدة (بن لادن) والجهاد الإسلامي (الظواهري). فإذا كان عبد الله عزام واسطة العقد بين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والتيار الجهادي الطري العود آنذاك، كان يُلقب بسيد قطب الأردن، بما يميزه عن التيار الأم، فإن أيمن الظواهري الذي هو جسر العبور للمجاهدين العرب وعلى رأسهم أسامة بن لادن من العقيدة السلفية التقليدية إلى عقيدة الولاء والبراء، قد استند إلى «ظلال القرآن» و«معالم في الطريق» لسيد قطب من أجل رسم عالمه الجديد من دون حسن البنا المؤسس لتيار الإخوان، بل إنه خصص كتابًا منفردًا لإدانة البنا وسياساته البراغماتية إزاء الملك فاروق تحت عنوان «الحصاد المر».

أما عزام فهو وإن كان يعتبر أن حسن البنا قد أحسن الظن بالحكام العرب في عصره، وأنه أخطأ في عدم إرسال أعداد كافية من الشباب المسلم لتحرير فلسطين عام 1948، لكنه يجله ويحترمه وقد تأثر كثيرًا بكتاباته، لا سيما «الرسائل».

وعلى حواف القطبين المتنافرين ظاهرًا، عزام والظواهري يمينًا ويسارًا، تبرز أسماء أخرى وتيارات، منها ما هو أقرب إلى السلفية التي تدين الولاء لولي الأمر وتلتزم بالبيعة، أو من يعتبر حركة الإخوان مرجعه الأساسي، ومنها من تذهب إلى حد التنصل من فقهاء السلطان كما يوصفون وتكفير الدولة ذاتها، ومن يوسع دائرة الإقصاء ليشمل شرائح إسلامية أخرى، كما في المبالغة في تكفير أهل السلطة والموالين لهم ومعاونيهم (ص 249).

الأكيد أن كتاب د.يوسف حسن يوسف، الذي يقع في 414 صفحة من القطع الكبير، يُقدِّم قراءة مهمة وموثقة لتاريخ جماعات العنف باسم الدين، التي تتوسل بالدين لكي تصل إلى أهدافها السياسية أو تقفز على السلطة في هذه البقعة من العالم أو تلك.

إعلان