لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من حارة إلى ميدان

سليمان جودة

من حارة إلى ميدان

سليمان جودة
07:01 م الأحد 14 يناير 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وقوف إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية يوم ١١ يناير في لاهاي سوف يبقى حدثاً لا يُنسى، حتى ولو لم تتم إدانتها أمام المحكمة بحكم مباشر.

ذلك أن وقوفها إدانة في حد ذاته، لا لشيء، إلا لأنها مُدانة أمام أحرار العالم قبل أن تذهب إلى المحكمة، ولم تفعل دولة جنوب أفريقيا شيئاً وهي تتقدم بدعواها في لاهاي، سوى أنها وضعت الإدانة في إطار أمام القضاة هناك.

ثم إن التهمة هي ارتكاب جرائم حرب ترتقي إلى حد الإبادة الجماعية، وهي تهمة ثابتة بالمنظر والمشهد والصورة أمام العالم منذ السابع من أكتوبر، لأن جيش الاحتلال بدلاً من أن يتعامل مع عناصر كتائب القسام التي قامت بالهجوم في ذلك اليوم على المستوطنات الإسرائيلية، فإنه راح يقتل الأطفال والنساء والمدنيين في قطاع غزة وبغير تمييز.

وكانت النتيجة أنه قتل منهم ما يقرب من ٢٣ ألفاً حتى يوم انعقاد المحكمة، أما عناصر حركة حماس، أو عناصر كتائب القسام التي تمثل الجناح العسكري للحركة، فلم يصل إليهم إلا في أقل القليل.

ورغم أن دولاً كثيرة حول العالم قد هالها ما يجري ارتكابه في حق الأطفال والنساء والمدنيين في أنحاء القطاع، إلا أن جنوب أفريقيا كانت هي التي حولت ألمها مما كانت تتابعه، إلى إجراء عملي على الأرض فاتجهت الى المحكمة من أقصر طريق، ولم يكن هذا غريباً على بلد نيلسون مانديلا الذي قاد النضال طويلاً ضد الفصل العنصري في بلاده، وتحول إلى أيقونة للنضال والشجاعة، وصار نموذجاً يقتدي به الأحرار في العالم.

وقد كانت روح هذا الرجل هي التي حركت جنوب أفريقيا ضد الوحشية الاسرائيلية، وكان ذهاب بلده الى المحكمة بملف من ٨٤ صفحة دليلاً على أن نضال مانديلا لم يذهب هباءً، وأنه ترك من بعده ما سوف يظل يذكره به الناس، وأنه زرع بين مواطنيه روحاً ترفض الظلم في كل مكان وليس فقط بين مواطنيه الجنوب أفريقيين.

وعندما وجدت إسرائيل أنها متهمة رسمياً أمام المحكمة بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى الإبادة الجماعية، فإنها حاولت قلب الطاولة على الدولة صاحبة الدعوى، فقالت إن جنوب أفريقيا تحولت إلى ذراع قانونية لحركة حماس!

قالت ذلك وكأنها تتصور أن ما تقوله سوف ينطلي على المتابعين لوقائع المحاكمة حول العالم، وتناست أن الدعوى لا تتحدث عن حركة حماس باعتبارها الطرف الثاني في مواجهة الحرب الوحشية الإسرائيلية، وإنما تتحدث الدعوى عن أطفال ونساء ومدنيين في قطاع غزة، ولو أن اسرائيل تعاملت منذ السابع من أكتوبر مع عناصر حماس تحديداً، ولو أنها تجنبت قتل الاطفال والنساء والمدنيين، ما كان من الممكن أن تأخذها جنوب أفريقيا إلى المحكمة.

القضية لم تكن حماس ولن تكون، لأن غزة أكبر من حماس، ولأن القضية في فلسطين أكبر من غزة، ولأن القضية هي قضية شعب تقتله اسرائيل وتتخيل أن قتل الأطفال والنساء والمدنيين سوف يمحو القضية أو يشطبها فلا يعود لها وجود.

الحديث عن أن جنوب أفريقيا ذراع قانونية لحركة حماس هو اختزال للقضية فيما لا يجوز اختزالها فيه، وهو محاولة لشغل العالم بالتفاصيل، وهو محاولة أيضاً للتشويش على القضية الأساسية، ولكن هذا كله لن يفلح في حجب الحقيقة عن الناس.. وهذا واحد من دروس انعقاد المحكمة التي حظيت وقائع انعقادها بمتابعات عالية في كل مكان.

حاولت تل أبيب استدراج جنوب أفريقيا الى حارة ضيقة بحديثها عن الذراع القانونية لحماس، ولكنها كانت محاولة بائسة ويائسة لأن المحاكمة كانت في أوسع ميدان!

إعلان