إعلان

جيل Z وثقافة المثابرة

د. إيمان رجب

جيل Z وثقافة المثابرة

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:00 م الأربعاء 15 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في كل مرة يُسأل فيها السير مجدي يعقوب جراح القلب المشهور عن سر نجاحه فهو يتحدث عن ثلاثة مكونات لنمط تفكير يقود الشخص للنجاح والإنجاز المتميز؛ هي الإيمان بما يفعله والمثابرة والتواضع في العلم والمعاملة.

والمثابرة سلوك يرتكن إلى ثقافة تؤمن بضرورة بذل الجهد والمحاولة مرارا وتكرارا سعيا وراء هدف هناك قناعة أنه سيحسن حياة الفرد.

وأتذكر حين كنا صغارا كان الكبار دوما يرون أن جيلنا هو "جيل السرعة" أو كما كانوا يحبون أن يسمونا جيل الـ takeaway، وهذه العبارات هي جزء من قائمة طويلة من الصفات والعبارات التي كان يستخدمها الكبار لوصف جيلنا.

استدعيت هذا الأمر أثناء تفاعلي مع مجموعات من طلبة الجامعة والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 19 عاما، أي أنهم ينتمون لجيل زد والذي يضم من ولد بين عامي 1995 و2012.

وبهدف استكشاف شخصيتهم ونمط تفكيرهم تجنبًا للانسياق وراء صور نمطية عنهم وتجنبًا لإسقاط الانطباعات التي كانت لدى الجيل الأكبر عن جيلي عليهم، ارتأيت أن أدخل معهم في عدد من النقاشات والتفاعلات التي تمكنني من تكوين انطباعات عن بعض أبعاد شخصيتهم.

أحد هذه الانطباعات يتعلق بالاعتقاد في أن كل شيء متوفر ومتاح أو أن هناك يداً خفية ستتيحه بسهولة وبالتالي لا داعي لبذل مجهود استثنائي، فثقافة الوفرة هي المتحكمة في التصورات والتوقعات.

يمكن وصف هذه السمة الشخصية ببساطة بعدم الرغبة في المثابرة أو بذل المجهود والميل للاستسهال، ولاحظت أن هذه السمة تولد عدة ممارسات وسلوكيات أصبحت مألوفة لدى عموم الناس وتنعكس في سلوكيات أبناء أجيال أخرى أكبر من جيل زد وأصغر منه.

ومنها التعامل مع "جوجل على أنه هو المنقذ"، فهناك قناعة أن كل المعلومات وأي شيء متاح على جوجل، حيث يمكن لأي شخص الحصول على اجابة أي سؤال أو معلومة عن أي شيء من خلال ضغطة زر محرك البحث جوجل.

وبالتالي مسألة الذهاب للمكتبة وتصفح الكتب الورقية، أو الدخول الى المكتبات الرقمية واختيار أحد الكتب لتصفحها رقميا والتي هي من الخطوات المهمة في العملية التعليمية، هي من الخيارات المستبعدة في تفكير أغلب أبناء هذا الجيل.

الممارسة الثانية ناتجة عن الاعتقاد في أن "العلم على اليوتيوب"، في الصغر دائما كان يتم نصحنا من أساتذتنا بضرورة تدوين كل معرفة أو معلومة جديدة ليكون لدينا مرجع يمكن العودة له عند الحاجة، وكان يتم تذكيرنا دائما بأن "العلم في الكراس وليس في الرأس".

وكان التميز في قاعات المحاضرة مرتبطا بالقدرة على التدوين الجيد لكل ما يقوله الأستاذ وما يشرحه من أمثلة. خاصة وأنه لم يكن من المعتاد حينها أن يقوم الاستاذ بعرض المحاضرة في شكل ملف بوربوينت. وحين بدأ بعض المحاضرين الأصغر سنا والأكثر معرفة بالتكنولوجيا في استخدام نظام شرائح العرض كان ذلك تطورا كبيرا.

اليوم أصبح طلبة التعليم الجامعي يتوقعون أن كل شيء يقال في قاعة المحاضرات سيكون مسجلا على اليوتيوب أو ان الاستاذ موجود على اليوتيوب، وبالتالي من الممكن تشغيل المحاضرة مرة أخرى والاستماع إليها مرة ثانية وثالثة.

ونتج عن ذلك عدم اهتمام الطلبة بتدوين الشرح الذي يقال في قاعة المحاضرات، ويحضرون في قاعة المحاضرات "للتفرج والاستماع".

ولكن المفاجأة تقع حين يدرك الطلبة أن الاستاذ غير موجود على اليوتيوب وانه لا يوجد على اليوتيوب تسجيل للمحاضرة.

والممارسة الثالثة ترتبط بالاعتقاد في "سأكون مثل اصدقائي"، فهناك حرص على محاكاة الزملاء والقرناء في نفس مستوى التحصيل العلمي وفي نفس مستوى الجهد المبذول الذي هو أقل من المستوى المتوقع أصلا، حيث يغيب الدافع للتميز والطموح والتفوق والمنافسة الحميدة.

فحالة التنميط للمظهر وللذوق العام بين أبناء هذا الجيل والتي ساهمت فيها منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير ترتب عليها من وجهة نظري هذا النمط من التفكير الذي يهدر امكانيات وقدرات متميزة ويمنع أصحابه من أن يكونوا قادرين على تكوين طموح مستقبلي ما في مسارهم التعليمي أو في العمل أو في الحياة عامة.

وأيًا كان السبب وراء تشكل هذه الممارسات والتي يرى البعض أنها ناتجة عن كثرة استهلاك الموبايلات الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، فإن ما تتركه من أثر سلبي على قدرة الشخص على المثابرة ومستوى إدراكه لأهمية بذل المجهود مسألة تتطلب معالجة حقيقية ليس من جانب المدارس والجامعات فقط ولكن أيضا من جانب الأسرة التي تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في تكوين شخصية أبنائها.

إعلان