لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جماليات الماء في الشعر الأندلسي

د. ياسر ثابت

جماليات الماء في الشعر الأندلسي

د. ياسر ثابت
07:02 م الأحد 12 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في كتابه «دراسات وبحوث أدبية» (دار عيون، القاهرة، 2021)، يُقدِّم د. بسيم عبدالعظيم مجموعة من الدراسات الأدبية والكتابات النقدية التي تعد في تقديرنا نظراتٍ في الأدب العربي وأعلامه وقراءات في ديوان الشعر والروايات والمجموعات القصصية التي استوقفت المؤلف ورأى فيها جماليات تستحق الإشارة إليها والإشادة بها.

تتنوع موضوعات الكتاب وتتعدد، ولا عجب في ذلك؛ إذ يقول المؤلف في التقديم لكتابه -الذي يقع في 248 صفحة من القطع المتوسط- إنه كتب هذه البحوث في مناسباتٍ مختلفة على مدى عشرين عامًا أو يزيد، وبعضها نُشِر في كتبٍ أو مجلاتٍ أدبية وحلها لم يُنشر، إلى أن عمد د. بسيم عبدالعظيم إلى جمعها ليستفيد منها الدارسون ومحبو الشعر والأدب.

وعندما يكتب أستاذٌ جامعي وباحثٌ رصين، له عشرات المؤلفات والبحوث المُحكمة والدراسات الأدبية، فإن هذا أمرٌ يستحق الاحتفاء والاحتفال.

وإذا كان الكتاب يضم بحوثًا ثرية مثل «ظاهرة الإرهاب في الشعر العربي المعاصر»، و«شبكة التواصل الاجتماعي وأثرها في القصيدة المعاصرة»، و«التغيرات التي حدثت في الأدب بعد ثورة 25 يناير»، و«الأحساء في عيون الشعراء»، و«المثقف بين هاجس الحضور وهاجس الإبداع»، فإن أكثر ما لفت انتباهنا في الكتاب هو اعتناؤه بالأدب الأندلسي، الذي هو المجال الأساسي لدراسة د. بسيم وموضوع رسالته للدكتوراه عام 1995.

في فصل يحمل عنوان «الماء في القرآن الكريم والشعر الأندلسي»، يقول المؤلف إن كلمة الماء وردت في الشعر العربي 4298 مرة عند 708 شعراء، أما في الشعر الأندلسي تحديدًا، فإن كلمة الماء وردت فيه 370 مرة عند 57 شاعرًا.

وإذا أخذنا الشاعر الأندلسي ابن زيدون -على سبيل المثال لا الحصر- سنجد أن كلمة الماء تكررت في شعره سبع مرات، ومن ذلك أنه يُشبّه جسمَ محبوبه في الصفاء والرقة بالماء، وما ظهر في وجهه من بثور بالحباب الذي يعلو سطح الماء، فيقول:

جسْـمَهُ -في الصَّـفاءِ والرِّقَـةِ – المـاءُ فلا غرو أن حبابٌ علاه

وهذا من باب حُسن التعليل.

كما يُصوِّر عدم صبره على فراق محبوبته ولادة بنت المستكفي، وكيف أنه يُشبه عدم صبره لدى العطش على الماء القراح، فيقول:

إِلَيكِ مِنَ الأَنامِ غَدا ارتِياحي وَأَنتِ عَلى الزَمانِ مَدى اِقتِراحي

وَما اعتَرَضَت هُمومُ النَفسِ إِلّا وَمِن ذِكراكِ رَيحاني وَراحي

فَدَيتُكِ إِنَّ صَبري عَنكِ صَبري لَدى عَطَشي عَلى الماءِ القَراحِ

في موضعٍ آخر، يُصوِّر ابن زيدون محبوبته ولّادة بالبحر اللجي الذي لا ساحل له، ولا يستطيع أحد أن يخوض في ساحله، فضلًا عن أن يخوض في لجته، فيقول:

وَشَمَّرتَ لِلخَوضِ في لُجَّةٍ هِيَ البَحرُ ساحِلُها لَم يُخَض

وَغَرَّكَ مِن عَهدِ وَلّادَةٍ سَرابٌ تَراءى وَبَرقٌ وَمَض

تَظُنُّ الوَفاءَ بِها وَالظُنونُ فيها تَقولُ عَلى مَن فَرَض

هِيَ الماءُ يَأبى عَلى قابِضٍ وَيَمنَعُ زُبدَتَهُ مَن مَخَض

هذا في مجال الهجر والتمنع من المحبوبة.

أما في إطار المدح والاستعطاف، فإنه يشبه ممدوحه ابن جهور في شهامة نفسه مع سلامة مذهبه بالماء الممزوج بالخمر، فيقول:

شَهامَةُ نَفسٍ في سَلامَةِ مَذهَبٍ كَما الماءُ لِلراحِ الشُمولِ قِطابُ

في شعر ابن زيدون تشبيهٌ آخر لما حدث بينه وبين ابن جهور من جفوة، بالماء الذي علته كدرة أو الضباب الذي يغطي ضوء النهار؛ إذ يقول:

فقد تتغشى صفحة الماء كدرة ويطفو على ضوء النهار ضباب

وهو يصوِّر ممدوحه وما يبذله من جهد في سبيل الارتقاء بحاضرة قرطبة، حتى غاب عنها صرف الدهر من خشيته، ونام القطا فلم يثر فيها وكأنها غدت حرمًا آمنًا، ويقول إن نازلها يتمتع بالربيع الطلق ويلهيه فيها ندى البُكر عن طيب آصالها. يقول ابن زيدون:

كم اشترى بكرى عينيه من سهرٍ هدوء عين الهدى في ذلك السهر

في حضرة غاب صرف الدهر خشيته عنها، ونام القطا فيها فلم يثر

ممتع بالربيع الطلق نازلها، يلهيه عن طيب آصال ندى بُكر

وفي مجال السفارة بين الأمراء، نراه يصوِّر العهد بين زعيمين من زعماء ملوك الطوائف، هما باديس ملك غرناطة وابن عباد ملك إشبيلية، وكيف أنهما في الموالاة والتصافي كالماء القراح حين يمزج بالخمر، حتى يقطع دابر الوشاية بينهما.

وكان أبو الحزم بن جهور قد أوفد ابن زيدون مع ولي العهد إلى الأمير باديس حاكم البربر بغرناطة ليعقدا معه معاهدة دفاعية ضد أطماع بني عباد. وقد نجح الشاعر ابن زيدون في وفادته ومدح باديس وابن جهور، ومن لباقته أنه لم ينسب نجاحه في المهمة إلى نفسه بل إلى ولي العهد الذي رافقه فقال:

فداء لباديس النفوس وجاده من الشكر في اُفق الوفاء غمام

فَما لَحَقَت تِلكَ العُهودَ مَلامَةٌ وَلا ذَمَّ مِن ذاكَ الحِفاظِ ذِمامُ

وَمِثلُكَ وإلى مِثلَهُ فَتَصافَيا كَما صافَتِ الماءَ القَراحَ مُدامُ

إعلان

إعلان

إعلان