إعلان

قراءة في تقرير المخاطر العالمية ٢٠٢٣ (٢)

د.غادة موسى

قراءة في تقرير المخاطر العالمية ٢٠٢٣ (٢)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 04 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

استعرضنا في الجزء الأول من قراءة تقرير المخاطر العالمية أنواع وترتيب المخاطر التي تواجه العالم في المدى القصير والمتوسط. ووجدنا أنها ذات المخاطر ولكن أخذت ترتيباً مختلفاً وفق درجة إلحاحها. وقد احتلت المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والمخاطر البيئية أولوية في حجم المخاطر التي لابد من التصدي لها.

وفي هذا الجزء سيتم تفسير تلك المخاطر وارتباطها ببعضها البعض. فالظروف الاقتصادية لمرحلة ما بعد " كوفيد ١٩" ستشهد انحرافات في السياسات الاقتصادية نحو المزيد من التضخم والجمود وتراجع معدلات النمو الاقتصادي والاستثمار. ويعزز من تلك المخاطر امتداد الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى تعطيل سلاسل الامدادات في أنحاء العالم. كما أن عدم التوافق بين السياسات المالية والنقدية سيؤدي إلى إمكانية وجود أزمة سيولة نقدية بما يفاقم من المخاطر الاقتصادية وعلى رأسها ارتفاع وامتداد أزمات المديونية العالمية، حيث قد تكون الأعلى تاريخياً خلال السنوات العشر القادمة. كما ستكون مصحوبة بتوترات جيوسياسية وركود تضخمي ذو أبعاد اجتماعية وخيمة.

وتعتبر الدول والمجتمعات الهشة في العالم النامي من أكثر المناطق والأقاليم التي ستتحمل الصدمات الاقتصادية السابقة علي المديين القصير والمتوسط، حيث تشهد تلك الدول ارتفاع معدلات الفقر والمجاعات والعنف وعدم استقرار سياسي مما قد يؤدي إلى سقوط أنظمة حكم في المدى القصير. كما ستؤدي الضغوط الاقتصادية إلى تآكل مدخرات الطبقة الوسطى ومطالبة الأخيرة بسياسات حماية اجتماعية. وهو المطلب الذي سيمتد إلى حكومات دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء. وبالتالي ستجد الحكومات نفسها أمام معضلة حقيقية مفادها حماية الطبقات الاجتماعية من التداعيات الاقتصادية السلبية من جانب ومتطلبات تسديد مديونياتها من جانب آخر. بالإضافة إلى الحاجة للانتقال السريع لمصادر نظيفة من الطاقة والعمل على الحد من ضغوط المخاطر الجيوسياسية من جانب آخر.

وبالنظر إلى المخاطر الجيوسياسية فمن شأنها أن تقود إلي التفكك في المؤسسات والتحالفات الدولية. كما قد تتطور إلى حروب اقتصادية وإلى صراعات ذات أبعاد متعددة ومتداخلة. وعلى رأسها الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى للهيمنة على الأسواق العالمية. وستكون السياسات الاقتصادية إما ذات طابع دفاعي وحمائي للحفاظ على سيادة الدول على مواردها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، أو ذات طابع عدائي في بعض الأحيان للحد من سيطرة بعض الدول على السوق الدولي. أما بالنسبة للتجارة الدولية، فإن الصراع من أجل الهيمنة على التجارة الدولية سيزيد من المخاطر الأمنية، خاصة في ظل الاعتماد المتبادل والارتباط العميق بين دول العالم علي الصعيدين المالي والتقني. ونظراً لأن البعد الجيوسياسي سيؤثر على البعد الاقتصادي فمن المتوقع أن يشهد العالم تراجعاً في معدلات ونوعية الإنتاج وارتفاع الأسعار على المدى الطويل. وقد تضرب تلك المخاطر منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر من غيرها للاعتبارات الجيوسياسية السابقة. وهو ما ستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة على باقي دول العالم.

كما ستفاقم المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية السابقة من الصدام بين العديد من الدول. ويساعد على ذلك التوسع في سباق التسلح التقني خلال العشر سنوات القادمة.

ويمكن وصف خريطة المخاطر العالمية خلال العشر سنوات القادمة بأنها تحتوي على صراعات متعددة الأبعاد وحروب متداخلة تستخدم نظم تسلح تقني حديث يستطيع إحداث دمار واسع النطاق مقارنة بالعقود الماضية. كما سيؤدي السباق التقني إلى اتساع فجوة اللامساواة التقنية بين الدول ومن ثم ارتفاع مخاطر الحروب الجديدة المعروفة باسم الحروب السيبرانية ذات الأبعاد الاقتصادية واسعة النطاق. وتعود أسباب اتساع تلك الفجوة إلى زيادة إنفاق الدول والمؤسسات العسكرية وقطاع الأعمال والصناعات في دول العالم المتقدم على تطوير وامتلاك التقنيات الحديثة وعلى البحوث والتنمية لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية واقتصادية.

إعلان