لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مجتمع حرف "الدال"

د.غادة موسى

مجتمع حرف "الدال"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:14 م السبت 25 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لكل مجتمع هويته وثقافته. وعادة ما تتمحور تلك الثقافة حول العادات والتقاليد واللغة والدين والخبرات التاريخية المشتركة. وقد كان ومازال للمجتمع المصري هويته الثقافية التي تطبعه بخصوصية ثقافية.

إلا أنه في العقدين الأخيرين أصبح أفراد المجتمع يبحثون عن هوية ثقافية جديدة تتمحور حول حرف " الدال". ويشير حرف الدال مجازاً إلى السعي الحثيث وراء تحصيل درجة الدكتوراة العلمية.

ففي الماضي كان المؤهلين والراغبين في الحصول على الدرجات العلمية ما بعد الجامعية محصورين في فئة قليلة وفي حقول علمية بعينها. أما اليوم فقد زادت أعداد الراغبين في الحصول على الدرجات العلمية. وهو أمر من الصعب رده إلى حب العلم فقط، إذ توجد أسباب وسياقات تفسر لنا هذه الظاهرة.

وأولى تلك التفسيرات هي البحث عن هوية أو مركز اجتماعي. ففي الماضي كانت الثروة والنفوذ والعائلة أساس هوية ومكانة الفرد في ظل وجود فجوات اجتماعية واقتصادية. أما في العصر الحالي فقد تلاشت تلك الفجوات نسبياً. فهناك الكثيرون من أصحاب الثروات الذين لا ينحدرون من عائلات عريقة أو ذات صيت. كما أنهم قد لا يتمتعون بنفوذ قوي.

الأمر الآخر هو تلك المكانة المرتفعة والأهمية التي يعطيها المجتمع لأصحاب الشهادات العليا. فكل من حصل على شهادة عليا يصير عالماً في نظر المجتمع. فالعالم يملك الحلول لكافة المشكلات، كما أنه يمتل الحقيقة. بل يرفع البعض أصحاب الشهادات ما بعد الجامعية إلى مصاف الحكماء؛ وفي مجتمعنا المصري كل من حصل على شهادة الدكتوراة يعتبر حكيماً. فتلك المكانة التي خلعها المجتمع المصري على كل حاملي الشهادات ما بعد الجامعية تداعت على هوية المجتمع. فتراجعت الهوية المهنية أو العملية والثقافية لصالح حرف الدال. فنظرياً كل من يُعرَف بحرف " الدال" تزداد فرصه في الحصول على مناصب بارزة ومكانة مرموقة.

لقد أدى هذا التحول إلى اعتبار الحصول على حرف "الدال" أمراً ضرورياً ولازماً، الأمر الذي صرف قطاعا كبيراً من المتعلمين عن العمل في مجالات أخرى. كما أنه صرف الأفراد عن تقدير أعمالاً أخرى كالعمل المهني. فكل من لا يحمل حرف " الدال" سيفقد مكانته في المجتمع. كما تسبب هذا السلوك في تراجع قيمة حرف " الدال"، بالإضافة إلى تحولها لسلعة تخضع لآليات العرض والطلب.

كل ما سبق لا يقلل من قيمة ومكانة من يجتهد لتحصيل العلم والحصول على شهادة الدكتوراة، أويثنينا عن تشجيعه، ولكن من الأهمية بمكان ألا تتمحور هوية ومكانة الأفراد في المجتمع المصري حول حرف " الدال" فقط، وأن يؤمنوا بأن لديهم قدرات وإمكانات تؤسس لهم مكانة اجتماعية وهوية متفردة ومتميزة.

إعلان