لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الميديا وجمهورها وأسئلة شائكة

د.هشام عطية عبد المقصود

الميديا وجمهورها وأسئلة شائكة

د. هشام عطية عبد المقصود
05:20 م الجمعة 01 ديسمبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تنشغل كثير من وسائل الإعلام الدولية بتكثيف مرور الجمهور على مواقعها على السوشيال ميديا، حيث تعتبرها نوافذ تسويقية مهمة لمحتواها تشجيعا للجمهور على الاشتراك فى خدماتها المدفوعة، وحيث يظهر أثر من ذلك قلقا وجدالا تعبر عنه تلك الوسائل إذ تشكو مرارا من توظيف منصات السوشيال لخوارزميات تعمل على تقليل ظهور روابط الصحف ووسائل الإعلام خاصة الخبرية منها وتقلل من تدافع المرور على مواقعها بما يقلل من حجم الجمهور المتابع لها ومعه أيضا إيرادات الإعلانات.

يتزامن مع ذلك توجه صار مهيمنا يعبر عنه سعي أكثر مواقع الصحف العالمية الكبرى إلى تحديد رسوم اشتراك لدخول مواقعها باعتبار أن ما تقدمه للجمهور خدمة إعلامية متنوعة الوظائف يبذل فريق محرريها جهدا مهنيا فى إعدادها وأنها تستحق الدفع مقابلا عادلا، من ناحية لتعظيم الإيرادات عبر زيادة الاشتراكات وأيضا تنمية متوازية لإيرادات الإعلانات على مواقعها – كما يحدث فى مواقع صحف الواشنطن بوست والنيويورك تايمز والإيكونوميست والنيويوركر وغيرها كثر- بينما نبدو عربيا بعيدين عن كل ذلك، فلا تسعير سوى لخدمات كرة القدم والأفلام والمسلسلات، فهل هناك قيمة مدركة ومقدرة لدى الجمهور العربى لما يقدم له من أخبار وتحليلات عبر مختلف وسائل الإعلام العربية؟ وهل تبادر وسائل الإعلام العربية صحفا وقنوات أو حتى بعضها ثقة فى دورها ومكانتها لدى الجمهور لتختبر ذلك؟!

تبلورت عبر عقود توجهات استراتيجية استقرت فى إدارة منظومات مؤسسات الإعلام العربى ترى الخدمات الإعلامية ومنها الخبرية – رغم تعدد نوافذها وضخامة تكلفتها الاقتصادية- باعتبارها صناعة غير ربحية ولا حتى محققة لتكلفة التشغيل، ومن ثم فهى ليست للاستثمار ومن ثم لا مجال هنا للتسويق "الاقتصادى" بل هى فقط ساحة للضخ المالى ثم مزيد من الضخ دون أن يتزامن مع ذلك قياس الأثر والعائد المجتمعى ناهيك عن الاقتصادى أيضا خاصة مع كثرة وتعدد تلك الوسائل توزعا على كافة دول الخريطة العربية، وقدرت تلك المؤسسات أنه لن يقبل عليها الجمهور اشتراكا يرتبط باستحقاق مادى ولو محدود بينما يقبل وبشغف على الدفع فى المباريات والمسلسلات والأفلام العربى منها والأجنبى، ولم تلجأ مجتمعة وفرادى إلى مراكز بحثية دولية مهنية واحترافية ومستقلة لدراسة السبب والعوامل، وكيف يمكن التدخل وهل سيستمر الضخ الاقتصادى الضخم بلا انتهاء كمعادلة اقتصادية أبدية؟ أم أن اقتصاديات الإعلام فى رؤية معظم تلك المؤسسات الإعلامية العربية على تنوعها وكثرتها هى خارج حدود تلك المعادلة المهنية؟

جزء من نجاح وسائل الإعلام هو فى نجاح معادلة إدارتها اقتصاديا، فهذا فى بعد منه تعبير عن تقدير واهتمام الجمهور بها واعتماده عليها ورغبته فى استمرارها، وإلا صارت كبعض أوراق الدعايات المجانية التى تُلقى على الجمهور داخل العربات وفى مراكز التسوق عمدا فيتجاهلها ويعرض عنها، وهو ما يحتاج معه لفهم وطرح الأسئلة الشائكة عن مستقبلها ودورها ليتطور عمل وآداء تلك الوسائل، ويتم صنع مساحات التقاء مهنية وبناء أولويات اهتمام مشتركة مع الجمهور تصنع حضورا واستمرارية من دون أن تشكل عبئا.

يظل أنه فى ظل غياب معرفة دقيقة ومتجددة بسلوكيات الجمهور فى تعامله مع تلك الوسائل الإعلامية ستنشأ وتنمو ممارسات إعلامية "سهلة" تبعد الجمهور أكثر فأكثر وهى تنتصر لمقولة: "فلتقلد السوشيال ميديا" ثم ولتنقل عنها، وبعدها فلتجلب مؤثريها ليكونوا نجوم الشاشات بل وليعملوا أيضا كصحفيين ومذيعين، فيصنعون مشكلات آداء ويضيفون أزمات مهنية، فهم على منصات السوشيال تعبيرات فردية قد يأخذهم البعض بجدية وقد يتساهل البعض مع ما يقدمونه باعتباره محتوى فردي عابر، لكنهم هنا جزء من مؤسسات إعلامية وبينهما فارق ودور وحدود مسئولية مجتمعية بل وقانونية، وفى صرعة تقليد السوشيال ونجومها ستكسب دوما السوشيال وتتراجع أهمية وسائل الإعلام، فتكون النتيجة غالبا لصالح منصات السوشيال تمددا ونفوذا وتأثيرا فتلك ساحتها وهذا ما يعرفها جمهورها به.

إعلان

إعلان

إعلان