إعلان

سرديات وأساطير جديدة

د. أحمد عبد العال عمر

سرديات وأساطير جديدة

د. أحمد عبدالعال عمر
07:02 م الأحد 01 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

يُخطئ من يظن أن العالم الذي نعيش فيه محكوم فقط بالأفكار الفلسفية والاقتصادية والسياسية العقلانية؛ فالأفكار والرؤى الدينية والأسطورية القديمة والمُستحدثة يبدو أنها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد خيارات وتوجيه سلوك وسياسات وقرارات أهل الحل والعقد النافذين في هذا العالم من أهل السياسة والحكم والاستخبارات والمال والأعمال.

والمتحكمون في مصير العالم ودوله وشعوبه اليوم، هم آلهة العالم الجديد، وصانعو التاريخ والمصائر فيه، الذين قرروا -فيما يبدو- تجاوز السرديات الإنسانية والدينية التقليدية الكبرى، ليصنعوا سرديات صغرى جديدة، أكثر جاذبية وحضورًا وتأثيرًا، وأكثر فاعلية ومساعدة لهم في تحقيق أهدافهم.

سرديات وأساطير جديدة يصبح فيها تصور الإله القديم، الخالق للكون والبشر، والفاعل في التاريخ من ميراث الماضي، وميراثا للشعوب المتخلفة التي تعيش خارج العصر .

وفي هذه السرديات الجديدة، سوف تحل فكرة التطور مكان فكرة الخلق من العدم، وتتلاشى تصورات الخلق الدينية التقليدية التي تجعل الكون والإنسان من خلق إله واحد قادر رحيم معتنٍ بالبشر.

كما أن لتلك السرديات والأساطير الجديدة أبطالًا أسطوريين وملحميين، يُجسدون النموذج الأعلى للنجاح المادي، والنموذج الأعلى للإنسان الجديد.

وهم أبطال يحملون روح وسمات العصر، ويُجسدون قيمه التي تمجد الحياة هنا والآن فقط، وتُعطي الأفضلية للصورة على الفكرة، وللشكل على المضمون، ولكل ما هو مادي، مع تجاوز البعد الروحي للوجود الإنساني.

ومن خلال تلك النماذج الإنسانية الجديدة للبطولة والنجاح المادي، سوف يتم (تشيئة) الإنسان، أي جعله سلعة تُباع وتُشترى، وسوف يتم (حيونته) أي جعله يحيا في مرتبة الحيوان الذي يعيش لتوفير غذائه واحتياجاته المادية، وهو ينظر لأخيه الإنسان بوصفه فريسة وموضوعًا للاستغلال.

وآلهة العالم الجديد النافذون المتحكمون، هم رواد "رأسمالية الكوارث"، التي نعيش في ظلها اليوم، الذين يعتقدون أن العالم وصل إلى مرحلة ما قبل الطوفان الجديد، وعلى الإنسان الفائق "السوبر مان" الذي صار بديلاً للإله، أن يصنع مع نظرائه القليلين "سفينة نوح جديدة"، لإنقاذ أنفسهم.

ولأن هذه السفينة محدودة، يتعذر معها إنقاذ كل البشر، سوف يكون المربح والأكثر فائدة للإنسانية الجديدة أن يذهب معظم البشر إلى الجحيم من خلال وباء أو كوارث أو حروب وثورات.

وتلك الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية الخلاصية الجديدة، تستند عند بعض هؤلاء إلى تصورات دينية يُلخصها رأي الضابط ورائد الأعمال والسياسي والقس المعمداني الأمريكي بات روبرتسون حين قال:

"لن نبكي كما يبكي سكان العالم حين تحدث بعض المآسي أو تنهار حكومات وأنظمة العالم؛ فهذا ليس أمرا فظيعًا على الإطلاق، بل أمر جيد، وهو رمز دلالي على خلاصنا".

وهذا يعني أن المتحكمين اليوم في جزء كبير من مقدرات العالم، يعتقدون أن خلاصهم في هلاك غيرهم؛ ولهذا فهم رسل كذبة للإنسانية، يجب على كل عقلاء العالم وأصحاب الفكر الإنساني، والقيم الدينية والأخلاقية التوحيدية والوضعية محاربة أفكارهم وأهدافهم وإثبات بطلانها وفسادها؛ لأن في انتصارها وسيادتها تشويهًا وتشيئة وحيونة للإنسان الذي خلقه الله على صورته وكرمه ونفخ فيه من روحه، والذي جعلته كل الرؤى الفلسفية والأخلاقية غاية وليس وسيلة.

إعلان