إعلان

الإعلام ومتلازمة "التيك توك"..

د.هشام عطية عبد المقصود

الإعلام ومتلازمة "التيك توك"..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 09 سبتمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

تأخذك الدهشة وتتالى الأسئلة عندما تتصفح بعضا من مواقع ومنصات إعلامية وصحفية وتشاهد محتوى عددا من برامج فى قنوات ثم تتأمل قائمة الموضوعات الأكثر حضورا واهتماما فى تقديمها، وهى التى اختارت تلك المواقع والمنصات والبرامج أولوية أن تقدمها للجمهور، ثم تزداد الأسئلة حين تقارن بين الأكثر تفضيلا مما حاز على أولويات الاهتمام والمتابعة للجمهور من واقع كثافة تصفحه ومشاهداته، بعدها ستدرك توافر مؤشرات عما يمكن أن أسميه بمتلازمة "التيك توك" وهو نمط آداء يرتبط بحضور و "خلاص" هدفه جلب المتابعات والمشاهدات واستمراريتها – بصرف النظر عن المحتوى والمهارة والهدف- على المنصات ووسائل التواصل وبعض البرامج، وحيث المهم يأتى دوما متأخرا والجاذب والممتع والمثير والجالب للعابرين هو محط الاهتمام ولو بات خاويا من معنى مضيف أو أثر نافع وافتقر للمهنة وهل يحتاج لشئ من ذلك قط ؟!.

سيكون الكثير مما يقدم خارج صيرورة ما تفرضه الأولويات فى مجال ارتبطها بالحياة وبعدا عن تضمين الجمهور فاعلا فى الحياة العامة ثم نستمر نبحث بعد ذلك عن سبب عدم مبادرة الجمهور وعدم تفاعله مع الملح والعاجل مما يفيد أوجه الحياة عملا وترشيدا وممارسات، بينما جزء مهم من السبب واضح لدينا فى محتوى بعض أو كثير من منصات ومواقع وبرامج الميديا.

سيكون من اليسير أن يتصدر فى ذلك المحتوى كل مبتدئ وسيكون الباب مفتوحا للهواة فالحكي يسير و"الشغلانة" سهلة فلن يقتضي الأمر أو يتطلب سوى أن يروي ضيف ونجم البرنامج حكايات طفولته أو يحكي شيئا "حساسا" من سيرته ويصفق معه الجمهور الحاضر بالدعوات مرحا، أو تحكى إحداهن وهى تلتقط المواقف الصعبة والمحطات المحرجة – غالبا عاطفية - للنجم والنجمة ثم قد ينتهى البرنامج بأن يطلب منه أن يتذكر موقفا ضاحكا لا ينسى.

وستظل الجريمة وقسوتها وبشاعة تفاصيلها حاضرة فى كثير من المنصات ومحتوى البرامج بتوسع واستمرار لا يقطعه فاصل كأنها تقول للجمهور شيئا ما تظنه حكيما وهو أن الجريمة لاتفيد – ظاهريا - بينما المحتوى يحمل اتجاها دالا أن الحياة فى ذاتها "جريمة"، وهل لنا هنا أن نسأل عن علاقة ما بين إزدياد حالات عرض الجرائم وتفاصيلها فى كل منصة وبين اضطراد فى حالات الانتقام الدامى للشباب قتلا لفتيات رغبوا فى الارتباط بهن وتصوروا أنهم يملكون تحديد أقدارهن؟.. لاشك أن الأمر يحتاج دراسة لكن تزامن ذلك يبرر الأسئلة.

هكذا يتم التركيز على محتوى الجريمة الغريبة لتتضمن مع الوقت ما يتعارض مع أخلاقيات الحياة والمهنة معا، ولن تعدم اهتماما نوعيا ببعض أخبار عن مسارات الكواكب والأبراج وكيف يتحدد حظ برج بكامل سكانه وفقا لتوقعات الخبيرة الجالسة مستريحة أمام المذيعة تحكى وهى تحمل على كتفها عنت ثقل أبراج الشمس والقمر مجرات وفضاءات، وسيتسع المحتوى ليكون عن مواصفات رجل البرج المحبب وسيدة البرج اللطيفة وهل يلتقيان؟ ولن يخلو الأمر من توقعات بشأن متى تكون نهاية العالم، سيقل محتوى ما له صلة مباشرة بأولويات الحياة وقضاياها ذات الأهمية والتأثير وما يحتل ضرورة فى اهتمامات ومعايش الجمهور.

وسنحتاج هنا وقفة لنؤكد أن سبيلا مهنيا وبحثيا معروفا ومشهودا وتتوافر بشأنه مؤشرات جمة أن المصد وأنجح طرق التعامل مع الشائعات فى المحتوى الإعلامي الخارجي الموجه والقاصد إحداث ضرر فى البنية الاجتماعية إنما يكون حصرا بتنوع محتوى الإعلام المحلي فى اهتمامه بسياقات اجتماعية لها ضروراتها وسبقه وسرعة عرضه ومناقشته لمختلف المواقف والأحداث التى تمس الشئون اليومية، ولنا هنا تجليا مؤكدا ذلك أنه عندما ظهرت القنوات المصرية الخاصة منذ مايقرب من ثلاثين عاما تزامن معها انخفاض ملحوظ ومضطرد فى مستويات تعرض واهتمام الجمهور المصرى لمحتوى القنوات الدولية والعربية الخارجية والتى ملأت الساحة وتفاعل معها الجمهور لغياب البديل قبل ظهور الفضائيات المصرية الخاصة.

لن نستطيع أن نعفى الجمهور هنا أيضا من مسئوليته وإن كانت تالية، فمتابعته المحضة للتسلية هى شق ملازم فى الأزمة، حيث يشجعه تدفق هذه الموجات التسونامية من محتوى التسلية "البيور" مما يعطى معنى لديه مستقرا بأن الإعلام ساحة تضم الوقائع العجيبة والغريبة والمثيرة والمفزعة أيضا من حياة البشر، وهكذا ومع الوقت يعتاد الجمهور الآداء وربما "يدمنه" ويدخل طرفا فى إبعاد وإقصاء المضامين التى تعبر عن مهارة ومهنية وجهد إعلامى، فيمنع بانخفاض إقباله عليها من أن يكون لها حضور وثقل واستمرارية، فلا تتشجع إدارات المنصات ووسائل الإعلام على تبنيها ودعمها، فتتوارى مع الوقت عن التواجد كحالة إعلامية مهمة يحتاجها بالضرورة الناس، وبحيث يمكن لأى حادث أو جملة أو تعليق أو حتى "تلاته امواه " أن تشغل الاهتمامات والمتابعات المركزية لجمهور الإعلام.

من المهم ونحن نسعى لتطوير آداء وسائل الإعلام ومحتواها أن نقول أن الحديث عن بعض نواحى قصور الآداء الإعلامى لن يمكن التعامل معه بحلول مهنية وفقط، وأنه يتكامل معه التأكيد على ضرورة النظر فى مجال ثقافة جمهور فى التفاعل مع محتوى وسائل الإعلام، من خلال دراستها بشكل موسع وتفصيلي، وهو مسار مهم عندما يكتمل فإنه يمنح بدائل وحلولا مهنية لتقليل وفك هذا الإرتباط غير الصحى، ونقصد بذلك قطاع ضخم من الجمهور يشجع ويقبل على محتوى إعلامى له سمات محددة.

علينا أن نبذل جهدا مهنيا ومعرفيا فى أن نصنع توافقا فى اهتمامات وأولويات الجمهور ووسائل الإعلام معا، وألا تكون التسلية مجرد وظيفة بدائية سائدة تعزل وتنفى ماعداها مختزلة الضرورى والواجب فى الهامشي، والعمل على تقديم رؤى ومبادرات مهنية مطلوب تماما من أجل تطوير آداء الإعلاميين ووسائل الإعلام نحو اختيار الأفكار ذات الأولوية وبناء طرق المعالجة التى تلقى مع مهارة ودأب وتنوع تقديمها قبولا واهتماما، عسى أن نجد ذات يوم قريب فى قوائم الموضوعات الأكثر متابعة نسبة معتبرة مما يكون مفيدا وينفع الناس وممتعا معا.

إعلان