إعلان

رسالة دكتوراه في علم "الكنس"!!

إبراهيم علي

رسالة دكتوراه في علم "الكنس"!!

إبراهيم علي
07:01 م السبت 17 سبتمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

قبل نحو 20 عاماً تقريباً تلقيت دعوة من وزارة الدولة لشؤون البيئة للمشاركة في فَعَاليِّات المؤتمر السنوي للإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة والذي عقد في محافظة اسوان.

تَضّمن المؤتمر ورش عمل حول التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة، وآليات جمع ومعالجة المُخلفات العضوية والزراعية ومخلفات الهدم والبناء ....إلخ ، والتي تجاوز حجمها السنوي وقتها نحو الـ 60 مليون طن، وناقش المؤتمر سبل وآليات إعادة تدوير تلك المخلفات والاستفادة منها، والتخلص من المتبقي منها في "مدافن صحية" ذات مواصفات عالمية.

شارك في المؤتمر خبراء ومتخصصون من داخل مصر وخارجها، وكان من بين المشاركيين بورقة عمل باحث إيطالي، وكان من بين ما أعلن عنه هذا الباحث أنه بصدد إعداد رسالة دكتوراه عن جمع ورفع مخلفات الشوارع بالمناطق السكنية لتحقيق النظافة المطلوبة؛ وذلك وفقاً لمعاير وقواعد علمية ومنهجية يتم على أساسها تنفيذ عمليات "الكنس" للشوارع !!

حالة من الاندهاش والاستغراب سيطرات عَليّ تماماً، أسئلة كثيرة دارت بداخلي، هل مسألة "كنس الشوراع" بهذه الدرجة من التعقيد تحتاج إلى القيام ببحث علمي ؟! هل بها من التفاصيل الكثيرة ما يستدعي ويحتمل القيام برسالة دكتوراه! هل ؟! وهل؟! وهل؟!

علي الفور طلبت عقد لقاء مع هذا الباحث للحصول علي إجابات وافية لتلك الأسئلة ... والحقيقة جاءت إجاباته مقنعة تماماً.

قال الباحث: "إن أى مجال من مجالات الحياة صغيراً كان أو كبيراً يستحق أن يخضع للبحث العلمي، ويستحق أن يخضع للدراسة والتحليل والتشخيص والخروج بنتائج واستخلاص قواعد ومعاير واستحداث آليات".

وقال أيضاً: "إنه وفقاُ للتقارير المعتمدة فإن أى شخص ينتج يومياً نحو 500 جرام مخلفات عضوية -المخلفات المنزلية - تزيد وتنقص وفقاً للثقافة المجتمعية ووفقاً للظروف الاقتصاديه التي تختلف من شريحة مجتمعية لأخرى، وأنه وفقاً لتلك المعلومات وبعد حصر عدد الوحدات السكنية لأى من الشوارع ومتوسط أعداد شاغليها يمكن تحديد أعداد العمالة المطلوبة، وعما اذا كان يحتاج عمالة صباحية وأخرى مسائية من عدمه، كما أن اتساع الشارع يحدد نوعية وأعداد معدات النظافة والتجميع المطلوبة وأحجامها".

وبالمثل – والكلام مازال على لسان الباحث الايطالى - فإن نوعية أرضية هذا الشارع، وما إذا كانت ترابية أو أسفلتية أو خرسانية أو غير ذلك، وما إذا كانت به أشجار ونوعية تلك الأشجار وموسم تساقط الأوراق ،واذا كان لهذا الشارع شبكات لصرف مياه الامطار من عدمه، وعما إذا كان هذا الشارع عبارة عن نشاط سكني فقط، أم نشاط سكني متضمناً لعيادات طبية ومحلات تجارية ومطاعم وخلافه، لأن نوعية المخلفات واحجامها تختلف من نشاط لآخر، وبالتالي فإن طرق جمعها وفرزها ونقلها ومعالجتها تختلف من نشاط لآخر ومن شارع لآخر ... إلخ .

وظل الباحث يُعدّد ويوضح كيف أن منظومة نظافة الشوارع " الكنس" بها من التفاصيل الكثير والكثير ... وتَطّرَقَ الحديث عن التحديات الكبيرة التي تواجه منظومة النظافة فى مصر على وجه الخصوص، والتي يأتي على رأسها غياب عملية التخطيط العمرانى المسؤول عن تحديد استخدامات الأراضي، وعما إذا كانت خدمية أو تجارية أو صناعية أو سكنية، حيث إن مصر تَتَفّرَد بتداخُل كل الانشطة معاً !!

إلى هنا انتهى كلام الباحث الايطالى وتحولت علامات الاندهاش والاستغراب إلى إعجاب و"إحراج"، وأدركت وقتها أن المجتمعات الغربية لم يأت تقدمها ونجاحها من فراغ .. فالمشكلات التي واجهتهم هي نفسها المشكلات التي واجهتنا، لكنهم أخضعوا تلك المشكلات للدراسة والتحليل، ووضعوا لها حلولا جذرية تنطلق من أسس علمية وقواعد عملية... أما نحن فقد واجهتنا نفس المشكلات، لكننا قررنا عقد علاقة صداقة معها ..وقررنا ألا نفترق عنها، وألا تفترق عنا، وأن نكمل معاً مشوار الحياة إلى نهايته، في تعايش سلمي!!

وأدركت أيضاً أن الفنان صلاح ذو الفقار في فيلم الأيدي الناعمة لم يكن مبالغاً عندما أخبر "البرنس شوكت" الفنان أحمد مظهر بأنه يحمل دكتوراه في "حتى" !!

إعلان