إعلان

الضرائب.. نقش على حجر رشيد

عمرو المنير

الضرائب.. نقش على حجر رشيد

عمرو المنير

نائب وزير المالية سابقا

 

08:10 م السبت 09 يوليو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول


تسجيل التاريخ هو ما يجعل الحضارات باقية في ذاكرة الجنس البشري. وقد كان المصريون القدماء حريصين على تدوين الأحداث التي صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية العظيمة أصبحت مصر أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، واعتبرت بذلك أُمًا للحضارات الإنسانية.
وكلما قرأت وبحثتُ في ملفات التاريخ أرى الضرائب تسير مع تاريخ الدول، وحكاية اليوم دليل على قوة الضرائب التي نفذت في قلب الحجر فكانت هي أساس فك طلاسم اللغة الهيروغليفية وهذا ما سوف نعرفه من خلال المقال.
حيث يصادف هذا العام الذكرى المائتين لإعلان عالم المصريات الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون" فك رموز اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة عبر دراسته لحجر رشيد، وذلك في 27 سبتمبر عام 1822.
هذا الحجر الأثري - الذي اكتشفه جنود نابليون عام 1799 - هو نصب من حجر الجرانو ديوريت نقش عليه نص رسالة غامضة حيرت العالم حتى استطاع شامبليون حل شفرتها ففتح آفاق التعرف على الحضارة المصرية القديمة وفك ألغازها، وترجمة علومها.
هذه الرسالة التي تضمنها حجر رشيد - وبحسب الدكتور "سليم حسن" في موسوعته الشهيرة "مصر القديمة" – هي نص مرسوم "منف" الذي أصدره الملك بطلميوس الخامس في ممفيس، مصر عام 196 قبل الميلاد.
هذا المرسوم تمت كتابته بثلاث لغات، هي النص الإغريقي، والنص الديموطيقى - لغة الكتابة الشعبية أو العامية - والنص الهيروغليفى ويمثل الكتابة المصرية المقدسة التي كانت تستخدم في المعابد.. ورغم أن لكل لغة من هذه اللغات مصطلحاتها وتعابيرها الخاصة بها، إلا أن كلا من هذه النصوص الثلاثة يُعتبر - بصفة عامة - ترجمة للآخر وهو ما مكن شامبليون من فك رموز أحد أقدم اللغات المكتوبة في التاريخ، وبدأ الغموض الذي كان يحيط بحياة المصريين القدماء ينقشع. وأصبحت الهيروغليفية وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات.
ولكن ألا يثير فضولنا الموضوع الذي يمكن أن يكون مهمًا للغاية بحيث يستحق أن يصدر في مرسوم ملكي بثلاث لغات مختلفة؟
الموضوع هو الضرائب… نعم الضرائب، فحجر رشيد – للمفاجأة – هو وثيقةٌ لقوانين ضريبية جديدة سُنّت - عام 196 قبل الميلاد - من قبل الملك بطلميوس الخامس زعيم الأسرة البطلمية بالاتفاق مع مجلس من رجال الدين المصريين القدماء.
وقبل أن نستطرد في شرح تفاصيل وثيقة الضرائب المنقوشة على حجر رشيد دعونا نتعرف على تاريخ هذا الحجر أولا.
كانت بداية حجر رشيد مع أحد الجنود الفرنسيين ويدعى بيير بوشار حيث عثر على حجر أسود عملاق عليه كتابات غريبه ويبلغ ارتفاعه متر و 13 سنتيمترا وعرضه 75 سنتيمترا. وعندما أدرك بوشار أنه حجر أثرى هام، قام بإبلاغ قيادته وتم نشر الخبر في الصحف الخاصة بالحملة الفرنسية وأطلقوا عليه اسم حجر رشيد.
وهنا بدأت المحاولات لفك رموز هذا الحجر، منذ عام 1802 على يد المستشرق الفرنسي سلفستر دى ساسي، حتى عام 1805 عندما بدأ شامبليون دراسة الحجر، واستمرت محاولاته 17 عاما حتى أعلن نجاحه في فك رموز حجر رشيد عام 1822.
وعودة لموضوع المرسوم الملكي المنقوش على الحجر فوفقا لجون راي (John Ray) أستاذ علم المصريات في جامعة كامبريدج في كتابه "حجر رشيد وإعادة بعث مصر القديمة" فإن ما تم تدوينه على الحجر هو مرسوم ينص على إعادة الامتيازات الضريبية التي كانت ممنوحة لكهنة المعابد في مصر القديمة وعلى الأخص الإعفاءات الضريبية، وقرر الكهنة أن يُكتب هذا المرسوم على لوح من الحجر الصلب بكل من الخط المقدس وخط الوثائق والخط اليوناني، وأن تعد نسخ منه وتوضع بجانب تمثال الملك في المعابد في كل أرجاء مصر.

هذا المرسوم الذي صدر في اليوم الرابع من شهر كسانديكوس الموافق يوم 18 من شهر أمشير المصري يقول:

"في هذا اليوم اجتمع كبار الكهنة والكهنة السريون، والكهنة المطهرون الذين يسمح لهم بدخول قدس الأقداس لخدمة الآلهة وكهنة المعابد الآخرين الآتين من جميع أنحاء البلد إلى منف لمقابلة الملك بمناسبة عيد تتويجه.
وأعلنوا أن الملك قام بإلغاء بعض الضرائب التي كانت تثقل عاتق شعب مصر كما خفـّض أخرى حتى يتمكن الشعب من العيش في رفاهية أثناء حكمه الممتاز ، كما خفـّض الضرائب التي يقوم المعبد بدفعها للقصر بمقدار الثلثين.
كما أفرج عن هؤلاء القابعين في السجن وحرر المتهمين في قضايا منذ زمن طويل من التهم الواقعة عليهم".
كان المصريون القدماء ملتزمين بأداء الضرائب، لأنهم اعتبروها أمرا دينيا، ولذا جُمعت في موعدها، وكان من النادر الشكوى أو التقاعس عن أدائها.
الجدير بالذكر أن حجر رشيد يعرض حاليا في المتحف البريطانى منذ يونيو عام 1802، وفى نهاية الحرب العالمية خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية ومن ضمنها حجر رشيد فحفظت هذه الآثار فى قاعة أسفل محطة قطارات، ولم يخرج حجر رشيد بعد ذلك من المتحف إلا مرة واحدة ولمدة شهر فى أكتوبر عام 1972 لمتحف اللوفر بباريس بمناسبة مرور 150 عاما على فك رموزه.
وهكذا يخفي التاريخ تحت عباءته المزيد من حكايات الضرائب وكانت الإعفاءات الضريبية هي بطل هذه الحكاية ويمكن القول إنها ولدت مع الضرائب وإنها مطلب شعبي قديم لا ينتهي.

****
عمرو المنير

نائب وزير المالية للسياسات الضريبية السابق

إعلان