إعلان

فن إدارة الوقت

د. سامر يوسف

فن إدارة الوقت

د. سامر يوسف
02:46 م الإثنين 18 يوليو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كم من مرة من قبل حدث أن راودكم ذلك الشعور المحبط بعدم وجود وقت كاف لإنهاء كافة التزاماتكم في أحد الأيام؟ ذلك على الرغم من تأكدنا من استحالة الحصول على أكثر من الساعات الأربع والعشرين الثابتة في كل يوم، ومن أن الشكوى من عدم وجود وقتٍ كافٍ لن تفيدنا بخلق المزيد من الوقت مثلاً لإنهاء كل ما نريد إنهائه. إذاً فلماذا يبدو وكأنه يوجد من ينجزون أعمالاً أكثر ويستثمرون وقتهم أفضل ممن سواهم؟ الجواب ببساطة هو "حُسن إدارتهم لأوقاتهم"، فحُسن إدارة الوقت هي واحدة من أكثر المهارات الحياتية المفيدة، والتي يمكن أن تتقدم بك كثيراً في حياتك لو أتقنتها، وذلك على المستويين المهني والشخصي على حد سواء.

ولا شك في أن عامل الوقت أو الزمن يمكن اعتباره من أعلى الموارد الطبيعية قيمة؛ لأنه وبمجرد انقضائه فلا يمكننا استعادته والاستفادة منه وإعادة تدويره مرة أخرى، كأغلب الموارد الطبيعية الأخرى. وأظن أن أغلبنا يحفظ تلك المقولة الشهيرة للإمام الشافعي رضي الله عنه: "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك". كما أن كثيراً منا يحفظون بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي يقول فيه: "دقات قلب المرء قائلة له، إن الحياة دقائق وثوانٍ". وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الكثيرين منا يتفنّنون في إضاعة أوقاتهم فيما لا يفيد إلا من رحم ربي، وقليل ما هم، ولا يلحقون بالمواعيد النهائية لتسليم أغلب المهمات الموكلة إليهم إلا في الوقت بدل الضائع، مع ما يسببه ذلك من مشاكل كثيرة في العمل، وفي الحياة الشخصية كذلك. وكل دقيقة تنقضي من عمرك لها ثمنها، فلا ينبغي أن تضيعها فيما لا يضيف قيمة إلى حياتك.

وببساطة، فإن عملية إدارة الوقت هي عملية تنظيم وتخطيط لكيفية تقسيم الوقت على الأنشطة المختلفة بكفاءة، وذلك من شأنه أن يمكننا من إنجاز المزيد من العمل بشكل أفضل وفي وقت أقل. تعلم هذا الفن يا صديقي وتدرب عليه حتى تتقنه، وسوف ينتهي بك الأمر إلى التعود على العمل والإنجاز بشكل أكثر ذكاءً، وليس بالضرورة أكثر جهداً. وسوف تفاجأ مع الوقت بأنك قد أصبحت قادراً على إنجاز المزيد يومياً وفي وقت أقل مما تعوّدت عليه، حتى عندما يكون الوقت المتاح لديك ضيقاً والضغوط المسلطة عليك قوية.

والهدف الرئيسي من إدارة الوقت هو زيادة الوقت المستهلك في أداء الأشياء المهمة إلى أقصى حد، على حساب الوقت الذي نقضيه في التعامل مع الأشياء الأقل أهمية. والجميع بلا استثناء يمكنهم تطوير عاداتهم اليومية لتحسين مهاراتهم في إدارة الوقت ولو بدرجات متفاوتة، لا بأس بأي درجة تتحقق منها على الإطلاق.

وحتى نقتنع جميعاً بأهمية تعلم وممارسة هذه المهارة، دعونا نتعرف سوياً على فوائد إدارة الوقت،
الموكلة إلينا:
1- تحسين إدارة وأداء المهام
2- تحقيق الأهداف بسهولة وقبل مواعيد استحقاقها.
3- تقديم إنتاجية أفضل في العمل، سواء من حيث الكم أو الكيف.
4- هؤلاء الذين ينهون العمل في الوقت المحدد وبكفاءة دائماً ما نجدهم مركزاً للاهتمام والتقدير من رؤسائهم في المؤسسات التي يعملون بها، ودائماً ما يكونون الأكثر ترشيحاً ونيلاً للثناء والمكافآت والترقيات.
5- وهم يكونون أيضاً أكثر تنظيماً، يستطيعوا أن يجدوا ما قد يحتاجون إليه من مستندات أو أدوات خاصة بالعمل بسهولة وبسرعة في أي وقت.
6- زيادة الثقة بالنفس وتقليل التوتر والقلق.
7- تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

وفي المقابل، دعونا نتعرف سوياً على بعض مظاهر سوء إدارة الوقت، والتي تساعد على تشخيص معاناة شخص ما من هذه المشكلة المزمنة الشائعة:
1- قلة جودة العمل وانخفاض الإنتاجية.
2- عدم الالتزام بمواعيد تسليم الأعمال.
3- التسرع والضغط لإنهاء المهام في اللحظات الأخيرة.
4- المعاناة من التعرض لمستويات عالية من التوتر والضغط العصبي.
5- اختلال التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مما يؤدي إلى الإرهاق المستمر.

وبعد كل ما سبق ذكره، فلعله يكون من المنطقي أن نخصص بعض الوقت الآن للتعرف على بعض النصائح والوسائل المساعدة على إدارة الوقت بما فيه الفائدة لحياتنا المهنية والشخصية أيضاً.


أهم الاستراتيجيات الفعالة لإدارة الوقت:

1- الاستيقاظ مبكراً: على الرغم من أنه من غير الممكن زيادة عدد ساعات يومك، إلا أنه يمكنك بالتأكيد الاستيقاظ مبكراً قليلاً لجعل يومك أطول نسبياً من ذي قبل. ومن الناحية الفسيولوجية المثالية تحتاج أجسادنا إلى التمتع بست إلى ثماني ساعات يومياً من النوم المريح حتى تتوفر لدينا مستويات الطاقة المُثلى، والعقل والجسم يستطيعان أن يتخذا قرارات أفضل وأن يؤديا بشكل أكثر كفاءة عندما يستريحان بالقدر الكافي. وعلى العكس من ذلك، فعندما لا يحصل الشخص على قسط كاف من النوم فإن ذلك سوف يزيد من مخاطر تعرضه للإصابة ببعض الأمراض المزمنة الشائعة، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وتوقف التنفس المفاجئ أثناء النوم والسمنة الزائدة، وغيرها من الأمراض الأخرى الناشئة عن التوتر العصبي وعن نقص المناعة الطبيعية للجسم.

حاول أن تثبت مواعيد النوم والاستيقاظ في كل يوم، وابدأ بضبط منبهك مبكراً بربع ساعة عما اعتدت عليه سابقاً- مع الحفاظ على العدد المناسب من ساعات النوم- ويمكنك بعد ذلك زيادة التبكير في وقت الاستيقاظ تدريجياً. وهذا الوقت الإضافي المبكر يمكنك الاستفادة منه في ممارسة إحدى الرياضات الخفيفة للتنشيط، أو في التأمل أو تحديد أولويات اليوم، أو حتى في ممارسة إحدى هواياتك المحببة إليك، وبالتدريج فسوف تزداد إنتاجيتك اليومية شيئاً فشيئاً. وحاول أن تجعل من عاداتك اليومية أن تكون متواجداً ومتأهباً للعمل في مكان عملك قبل خمس دقائق من موعد بداية ساعات العمل.

2- احترام نمط الإنتاجية والنشاط الخاص ببدنك: يختلف الأفراد فيما بينهم من حيث اختلافهم في ساعات اليوم المعينة التي يكونوا فيها أكثر إنتاجية وتركيزاً عن باقي اليوم. وسوف يساهم اكتشافك لنمطك الخاص ومتابعته بشكل مباشر في الاستخدام المثالي لوقتك. حاول أن تخطط لأيامك بحيث تباشر أهم المهام في الأوقات التي يكون لديك فيها أكبر قدر من الطاقة والتركيز. وللعلم فإنه لا يشترط أن يكون ذلك الوقت في الصباح المبكر عند الجميع، فعلى سبيل المثال هناك بعض الأشخاص الذين تكون ذروة تركيزهم عند موعد غروب الشمس أو حتى بعد ذلك، إذن فهذا هو الوقت الذي يجب أن يخصصوه للتركيز على أعمالهم الأكثر أهمية، وذلك سوف يكون أفضل بكثير لهم من الصراع مع الساعة البيولوجية الداخلية لأجسامهم. كرّر التجارب حتى تصل إلى روتين يومي ناجح وملائم لك واتبعه بدقة، وكن مصراً على أن يحترمه الآخرون عند التعامل معك.

3- التخطيط الجيد: من أهم وسائل إدارة الوقت تحديد أهداف واضحة لنفسك ولوقتك، وحاول دائما إنهاء كل يوم بالتخطيط لليوم التالي، وإنهاء كل أسبوع بالتخطيط للأسبوع التالي. وتعد كتابة قائمة بالمهام المطلوب إنهاؤها بالترتيب إحدى أكثر الطرق فعالية لزيادة الإنتاجية، على الرغم من بساطة هذا الإجراء. قم بشطب المهام المستكملة من هذه القائمة أولاً بأول، وسوف يمنحك ذلك شعوراً بالرضا والثقة بالنفس والتحفيز.

وعند تحديد الأهداف فعليك أن تراعي دائماً أن تكون هذه الأهداف محددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، وواقعية، وذات إطار زمني محدد.. وهو ما يطلق عليه "الأهداف الذكية":
S.M.A.R.T. goals (Specific, Measurable, Achievable, Realistic, and Time-bound)
والحرص الدائم على تحديد هذه النوعية من الأهداف من شأنه أن يخلق لحياتك العملية هيكلاً صلباً، ويجهزك دائماً لما سوف تواجهه طوال اليوم.

4- ترتيب الأولويات: رتب أولويات مهامك بحكمة وفقاً لأهميتها وإلحاحها معاً. واجعل المهمة الأعلى مرتبة فيها هي أول شيء تبدأ به يومك، وبمجرد إنجازها ركز على المهام التالية لها واحدة تلو الأخرى بالترتيب، ولا تبدأ يومك بشيء لا يتطلب اهتمامك الفوري، بل أجله لما بعد إنهاء المهمات الأكثر أهمية.

5- تجميع المهام المتشابهة معاً: تتطلب المهام المختلفة أنواعاً مختلفة من أساليب التفكير والترتيبات، ولذا فبدلاً من القفز من مهمة إلى أخرى تختلف عنها بلا تعقل، فإنه من الذكاء والحكمة أن يتم تجميع المتشابه منها معاً. فعلى سبيل المثال يستحسن تحديد وقت معين في كل يوم للرد على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية المهمة، بدلاً من القيام بذلك بطريقة عشوائية بين الحين والآخر على مدار اليوم. وسوف يساعدك ذلك كثيراً على تحديد أولويات عملك ووقتك بطريقة أكثر تنظيماً. وأيضا فإنك عندما تعمل في مهام مترابطة فسوف تسمح لعقلك بالتركيز فيها بشكل أفضل، وسوف يساعدك ذلك على إنجازها بسرعة وكفاءة.

6- استيضاح التوقعات المنتظرة من المهام الموكلة إليك: عندما تسند إليك مهمة ما -وقبل أن تبدأ في خطوات تنفيذها- تحدث أولاً مع الأشخاص الرئيسيين المسؤولين عنها حول ما يتوقعون منك تنفيذه حيالها بالتحديد. وكمثال، فإنهم ربما كانوا يحتاجون منك إلى تقديم عرض باور بوينت لها مثلاً أو ربما لا. ربما كانوا يحتاجون إلى خطة شاملة للتعامل معها أو ربما مجرد خطوط عريضة للتعامل فقط. وفي بعض الحالات قد يكون كل المطلوب مجرد معلومات تكفي للوصول إلى قرار بالإقدام أو الإحجام عن خطوة ما، وليس من الضروري أن تتطلب جميع الحالات تحليلاً شاملاً متعمقاً. ومن خلال استيضاح ما هو مطلوب منك تنفيذه بالفعل وإلى أي مدى والالتزام بذلك دون زيادة لا داعي لها، يمكنك توفير ساعات عديدة قد تضيع منك بلا فائدة.

7- تطبيق "قاعدة الـ 80/20" (قانون القلة المؤثرة): في عام 1897 م ابتكر الاقتصادي الإيطالي باريتو هذه القاعدة، وذلك عندما لاحظ أن حوالي 80٪ من الأراضي في إيطاليا -وفي كل بلد آخر قام بدراسته لاحقاً- كانت مملوكة لحوالي 20٪ فقط من السكان. كما لاحظ أن هذه النسبة تتحقق أيضاً بالتقريب مع النباتات المزروعة في حديقته، حيث وجد أن حوالي 20٪ فقط من نباتات الحديقة كانت تحمل حوالي 80٪ من الثمار؛ لذلك فقد قام بنشر قاعدته الشهيرة، والتي تنص على أنه "بصورة تقريبية فإن 80٪ من النتائج تأتي من 20٪ فقط من الأسباب". ومنذ ذلك الحين تم تطبيق هذه النظرية الشهيرة على أغلب جوانب الحياة الحديثة، ولاقت قبولاً من العلماء والدارسين على مستوى العالم.

بعض الأمثلة المتنوعة على قاعدة الـ 80/20 :
- حوالي 80٪ من إنتاج الشركة يتم إنتاجه بواسطة 20٪ من موظفيها.
- حوالي 80% من مبيعات الشركة هي بسبب 20٪ من العملاء.
- حوالي 80% من المبيعات تكون ناتجة عن 20٪ من منتجات الشركة أو الخدمات التي تقدمها.
- حوالي 80% من حركة المرور في المدينة تتركز على 20٪ من طرقها.
- حوالي 80% من زيادة الوزن عندك تنتج عن 20٪ من الطعام الذي تتناوله.
- حوالي 80% من حوادث السيارات سببها 20٪ من السائقين.

لذا فبمجرد أن تدرك أن 80٪ من إنجازاتك تنشأ عن 20٪ فقط من الوقت والجهد الذي تستنفذه، ستصبح أهمية ترتيب الأولويات واضحة في ذهنك. وهذا مفيد بشكل خاص للمديرين التنفيذيين، والذين يمكنهم تطبيق هذه القاعدة لتحديد المهام التي سوف يحتاجون إلى معالجتها بأنفسهم (تلك الـ 20٪ الحاسمة)، والأخرى التي يمكن تفويض أحد العاملين بالشركة للقيام بها (الـ 80٪ المتبقية)، وذلك حتى يمكن إنهاء جميع المهام في الوقت المحدد دون التقليل من جودتها النهائية.

8- لا تشتت نفسك بين أكثر من مهمة في نفس الوقت: عادة ما يفتخر بعض الأشخاص بقدرتهم على التعامل مع العديد من المهام المختلفة في نفس الوقت، والحقيقة أن هناك بعض الأخبار السيئة بالنسبة لهم، فوفقاً لبعض الدراسات الحديثة فإن الأقلية فقط من الأفراد هم من يمكنهم القيام بمهام متعددة في نفس الوقت بشكل فعال بحق. أما بالنسبة للغالبية العظمى المتبقية فإن تعدد المهام هو في الواقع تضييع لوقتهم وتقليل لجودة عملهم، وبالتالي تقليل لإنتاجيتهم الكلية.
(No Multitasking, Focus on a Single Task !!)

9- تطبيق أوامر العمل الأربعة البادئة بحرف دي:
The 4Ds of time management )Do - Delay - Delegate - Delete(
وهي تشير إلى أوامر العمل التالية للتعامل مع المهام المختلفة:
- نفذها: إذا كان هناك شيء مهم يجب القيام به وكان لديك الوقت الكافي للقيام بذلك، فقم بإنجازه على الفور.
- أجلها: إذا كان هناك شيء يمكن القيام به لاحقاً دونما عواقب خطيرة لذلك، فقم بجدولته في موعد لاحق عندما يكون لديك الوقت المتاح له.
- فوض شخصاً آخر للقيام بها: إذا كان بإمكان شخص آخر القيام بأداء مهمة ضرورية بنسبة إجادة تصل إلى 75٪ من قدرتك أنت على القيام بها، فقم بإسنادها إليه دون تردد. أما إذا لم يكن هناك شخص معين يمكنك تفويضه لأداء هذه المهمة بكفاءة، فعندها يمكنك إما البدء في تدريب شخص ما من المحيطين بك تتوسم فيه القدرة على تعلم وإتقان أدائها بسرعة، أو يمكنك الاستعانة بمصادر خارجية لأدائها. ويتيح كل من تفويض الآخرين وكذلك الاستعانة بمصادر خارجية مؤقتة ميزة مشاركة أشخاص آخرين لك في تحمل بعض الأعباء، مما سوف يمنحك وقتاً للتركيز على الأشياء الأكثر أهمية والتي تتطلب اهتمامك المباشر، كما أن ذلك من شأنه أن يقلل من ثقل العمل الملقى على عاتقك بشكل كبير. والأمر المهم هنا أن تحرص دائماً على تفويض المهام المناسبة للأشخاص المناسبين.
- اشطبها: قم بإلغاء المهام غير الضرورية من قائمة المهام المطلوب أدائها، وامضِ بلا تردد في استكمال أعمال باقي القائمة.

10- منع التشتيت: هناك بعض الأشياء شائعة الاستخدام؛ مثل رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تعد من أسباب التشتيت المعتادة ذات الأثر السلبي الكبير، فهي تتسبب في إهدار ساعات عديدة ثمينة في كل يوم من أغلب البشر. وبسببها فقد تستغرق المهمة التي تحتاج عادة إلى ساعة واحدة فقط أكثر من ثلاث ساعات حتى يتم الانتهاء منها. لذلك فكلما كنت مشغولاً بأداء مهام ذات أولوية عالية، ضع هاتفك في الوضع الصامت وتجاهله تماماً حتى تنتهي من هذه المهام، وسوف ينتهي بك الأمر إلى توفير الكثير من الوقت المهدر، ورفع كفاءتك إلى مستوى أعلى بكثير.

11- كن منظماً وواعياً لنفسك ووقتك: قدر لمهامك حدوداً زمنية واقعية مقدماً، والتزم بها قدر الإمكان. ومن الضروري عند تحديد مواعيد إنهاء المهام السماح ببعض الوقت الإضافي تحسباً لحدوث بعض المفاجآت غير المتوقعة. وعلى الرغم من أن التحديد المسبق للوقت لن يضمن لك إنهاء العمل في الوقت المخصص له بالفعل، إلا أنه سوف يساعدك على زيادة التركيز. كما أن اتخاذ قرارات بشأن الحدود الزمنية مقدماً سوف يساعدك على أن يعمل "قانون باركنسون" لصالحك، وهو القانون الذي ينص على أنه "دائماً ما يتمدد العمل ليملأ كل الوقت المخصص له". وبالتأكيد فإنه يمكننا جميعاً أن نستحضر العديد من المواقف التي تدعم هذا القانون من واقع تجاربنا السابقة، رغم عدم معرفتنا بوجود قانون حقيقي لذلك. فنفس العمل يمكن أن ننتهي منه في ساعة واحدة، أو في ساعتين أو أكثر أو أقل من ذلك، وبدرجات متقاربة من الجودة، والأمر كله يتوقف على قناعتنا الداخلية تجاهه قبل البدء في تنفيذه.

راقب وقتك لتقييم قدر ما تستغرق منه في أداء الأنشطة المختلفة، فالأشخاص الذين اعتادوا على مراقبة وتحليل الأشياء التي يقومون بها عادة ما يكونوا أكثر تركيزاً وتنظيماً وإنتاجية. بل إن بعضهم لا يكتفي بمراقبة وتتبع عدد الساعات التي يعملون فيها فحسب، بل يحصون أيضاً عدد الأنشطة التي يؤدونها والمهام والمشاريع التي ينهونها والعملاء الذين يخدمونهم.

وتتضمن هذه النقطة أيضا قيامك بتنظيم مكان عملك، فليس من المفيد أو المريح أبداً أن تكون هناك أكوام من المجلدات والأوراق المتناثرة على مكتب عملك. لذا ففي نهاية كل يوم قم بإعادة جميع المجلدات والأوراق والأدوات التي استخدمتها إلى مكانها الأصلي. وسوف يوفر ذلك عليك وقتاً ثميناً قد يضيع منك في محاولة العثور عليها عندما تحتاج إليها مرة أخرى، كما أنه سوف يحسن من حالتك المزاجية أثناء ممارسة العمل.

12- إعادة استخدام المواد السابقة: قم بالنسخ واللصق والتحرير من مستندات المهام السابقة كلما استطعت ذلك. ويمكنك أن تفعل ذلك مثلاً مع رسائل البريد الإلكتروني والعروض والمقترحات، أو مع أي نوع آخر من المهام تقريباً عندما تكون مماثلة لما سبق لك التعامل معه وإنهائه بنجاح. وعندما يكون الوقت المتاح لك مضغوطاً، فلابد وأن تقاوم الرغبة لديك في إنشاء مواد جديدة، بل استخدم الأشياء الجيدة الموجودة لديك بالفعل بعد تعديلها لتتناسب مع المهمة الحالية، فإن ذلك سوف يساعدك على توفير الوقت وأيضاً تقديم محتوى أفضل.
(Whenever possible; Copy, Paste and Edit !!)

13- تطوير القوالب الجاهزة وقوائم المراجعة: لتسريع العمليات الخاصة بك في المهام المتكررة، قم بابتكار قالب جاهز أو قائمة مراجعة لكل منها، أو ابحث عن قوالب وقوائم مراجعة جاهزة يمكنك استخدامها بسهولة. وهذه القوالب والقوائم الجاهزة مفيدة جداً للتخطيط الأسبوعي أو التقارير الدورية أو العروض أو الاجتماعات، أو أي أنشطة أخرى متكررة. وهي سوف تساعدك بالتأكيد على القيام بعمل جيد في وقت أقل، لأنك لن تكون بحاجة إلى قضاء أي وقت في تذكر ما يجب عليك القيام به أو اتخاذ قرارات بشأن الخطوات التالية.

14- تجنب التسويف (أو المماطلة): يعاني الكثير من الناس من مشكلة التسويف والمماطلة (أي الدلع الزائد تجاه أي مسؤولية)؛ حيث نجدهم إما لا يفعلون شيئاً هاماً في أغلب أوقاتهم، أو ينشغلون في أنشطة عديمة الفائدة لفترات طويلة. ويعتاد هؤلاء المماطلون المزمنون على تأخير أداء الأعمال المهمة لوقت لاحق، وعندما يفوت الأوان ويحل موعد التسليم يبدأون في الشعور بالذعر؛ لذلك يجب عليك ألا تدع التسويف يسيطر على حياتك ويصبح جزءاً من نمط شخصيتك، وإلا فسوف يكون له أثر مدمر على حياتك المهنية والشخصية.

ولعل أفضل طريقة للتغلب على التسويف هي تقسيم عملك إلى سلسلة من المهام الصغيرة المتتالية، والعمل على إنهائها واحدة تلو الأخرى. فذلك لن يجعل المهمة قابلة للتنفيذ وحسب، بل إنه أيضاً سيمنحك نقطة انطلاق لبدء العمل وطريق واضح المعالم للسير فيه حتى تنهيه. حاول أيضاً أن تضع جداول زمنية مفصلة لتعطيك فكرة تقريبية عن المواعيد النهائية لتسليم الأعمال. وأخيراً تذكر أنك عندما تحرص على إحاطة نفسك باستمرار بأشخاص جادين وعمليين يحققون الأهداف المتتالية بسرعة وكفاءة، فإنك مع الوقت سوف تتشرب منهم تلقائياً تلك العادات الحميدة، فتصبح أكثر جدية واستباقية في العمل.

15- تخصيص بعض الأوقات القصيرة للراحة خلال ساعات العمل: على الرغم من أن ذلك قد يبدو متناقضاً، إلا أن أخذ فترات راحة قصيرة متباعدة خلال ساعات العمل هو أحد الوسائل الفعالة لإدارة الوقت. حيث إن الكل يحتاجون إلى أخذ فترات قصيرة من الراحة بين الحين والآخر وهم يعملون لزيادة تركيزهم وإعادة شحن طاقتهم، ويمكن أن يؤدي حصولك على فترات راحة وجيزة كل ساعة أو أكثر من العمل المستمر إلى رفع إنتاجيتك إلى مستوى أعلى.

16- تعلّم أن تقول "لا" بلطف في بعض الأحيان: لا تقبل تكليفك بالقيام بأعمال أكثر من اللازم فعلياً، ولا تثقل على نفسك بالالتزام بإنهاء الكثير من المهام التي لا يمكنك التعامل معها بكفاءة، أو التي لا يمكنك الانتهاء منها في الوقت المحدد. وتذكر دائماً أن الأشخاص المتفوقين عادة ما ينفذون أشياءً أقل عدداً، ولكن بجودة أفضل بكثير من الأشخاص العاديين.

وقبل أن ننتهي من موضوعنا هذا، أود أن ألفت نظركم إلى بعض الأخطاء الشائعة في إدارة الوقت:
1- إنكار وجود مشكلة حقيقية لديك في إدارة الوقت، والاكتفاء بالشكوى من عدم وجود وقت كاف لإكمال التزاماتك اليومية العديدة.
2- عدم ترتيب الأولويات بحكمة.
3- التقدير الخاطئ للوقت الذي ستستغرقه المهام، مما يؤدي إلى تخطيط خاطئ وغير واقعي.
4- عدم الحرص على منع التشتيت.
5- التسويف الذي يجعلك تنشغل بالدوران في حلقات عبثية غير مجدية، بدلاً من مباشرة العمل الحقيقي المنجز.
6- التردد عند تفويض الآخرين أو الاستعانة بمصادر خارجية مؤقتة لأداء بعض المهام الضرورية، أو التفويض غير الحكيم لأشخاص غير أكفاء للقيام بتلك المهام.
7- الإصرار الدائم على تحقيق الكمال في العمل، والذي هو أمر غير واقعي بكل تأكيد، لأنه سوف يمدد الوقت اللازم لإنهاء المهام وتطوير المنتجات، ويخلق ضغطاً عصبياً مستمراً على الموظفين. ومن البديهي أنك إذا قمت بتأجيل تسليم ما يجب القيام به بسرعة، فتوقع دائماً أن يسبقك أحد منافسيك إلى تلك الصفقة.
8- قلة عدد ساعات النوم، وعدم أخذ فترات راحة كافية طوال اليوم.
9- قبول التكليف بالقيام بأعمال أكثر من طاقتك بسبب التحرج من رفضها.

ومع كون كل الاستراتيجيات السابق ذكرها مهمة بالفعل -ولو بدرجات متفاوتة- في تحسين القدرة على إدارة الوقت، إلا أن تأثيرها الفردي لا يتماثل عند كل البشر. فكل منا يمكنه الاستفادة من مجموعة من هذه الوسائل تختلف عمن سواه. فما يصلح لك قد لا يصلح لغيرك، وتلك سُنة من سُنن الحياة. كذلك فعند محاولة التطبيق الفعلي لهذه الاستراتيجيات، فقد يؤتي البعض منها أثراً سريعاً ملحوظاً، بينما قد يفشل البعض الآخر منها في إضافة أي تحسين ملموس على الوضع الحالي، وهذا أيضاً شيء متوقع ولا ينبغي أن يصيبك بالقلق أو الإحباط على الإطلاق. كل ما عليك يا صديقي أن تجرب هذه الاستراتيجيات بإصرار وبعقل منفتح منذ البداية، وبعد فترة وجيزة سوف تكتشف الأصلح لك منها على وجه التحديد. وحتى لو لم تستطع إلا تطبيق القليل منها فقط على أرض الواقع، فثق أن هذا القليل سوف يحسّن مهارات إدارتك لوقتك عن ذي قبل. والمهم هنا أن تحاول دائماً بجدية واقتناع، وأن تستمر في المحاولة بلا يأس أو شك أو استعجال.

وختاماً، فدعونا نؤكد مرة أخرى أن كل أصحاب الإنجازات المرموقة في شتى المجالات يديرون أوقاتهم بشكل جيد للغاية، ومن خلال الإدارة الجيدة لوقتك فيمكنك أنت أيضاً تحقيق أقصى استفادة منه، وذلك بدءاً من اليوم وبمجرد انتهائك من قراءة هذه المقالة، والتي أرجو أن تجدوها مفيدة ونافعة لكم… والله وليُّ التوفيق.

إعلان