إعلان

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (٢)

د. غادة موسى

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (٢)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م الجمعة 01 يوليو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

د. غادة موسى

علاقة الأخلاق والثقافة بالحرية ليست علاقة بسيطة٬ لأنه ليس بالضرورة أن كل ما تفعله تحت مسمى الحرية هو أخلاقي٬ كما أنه ليس كل ما هو أخلاقي ينبع من حرية الإرادة٬ لأنه لا يوجد اتفاق على ماهية الأخلاق في كافة المجتمعات. وقد يندهش البعض من هذا الأمر لأنه لدينا مسلمات بأن الأخلاق واحدة وواضحة. إلا أن هذا الأمر ليس حقيقيا بالضرورة. فبعض الممارسات في المجتمعات التقليدية تعتبر بالنسبة لهم أخلاقية لأنها مشتقة من العادات والتقاليد٬ فأصبحت عُرفاً أخلاقياً٬ ولكن قد لا ينظر لها الآخرون من خارج تلك المجتمعات بنفس الطريقة. فعلى سبيل المثال تندرج بعض العادات الغذائية لبعض المجتمعات الأفريقية والآسيوية تحت هذا الشأن. لهذا فإن المعضلة هي في فهم وتعريف الأخلاق.

تعتبر القواعد الأخلاقية قديمة قدم العصور القديمة. وقد جعل "بريكليس" القسم أو المدونة الأثينية أساس السياسة والثقافة اليونانية؛ حيث حملت المدونة التزامات عامة وتحذيرات. وتم النظر للمدونات أو القواعد باعتبارها إطارا يرسم أهم التوقعات المدنية. ففي الفلسفة اليونانية القديمة، كان التساؤل هو تحديد كيفية التصرف بشكل جيد وصحيح وما هي الصفات الشخصية/ الفردية الضرورية ليكون الفرد قادرًا على القيام بذلك؛ ونظرًا لاختلاف الآراء المتعلقة بمسألة ما الذي يجعل الحياة جيدة، كان على الأخلاق أن تضع حلولا لكيفية حل النزاعات الناتجة عن المقاصد بطريقة سلمية وعادلة دون التحيز. وهذا يقودنا إلى التساؤل حول ما هو الصواب من الناحية الأخلاقية. وجاءت شريعة حمورابي لتجيب عن هذا التساؤل. وهي شريعة قانون بابلي من العراق القديم، بلاد الرافدين سابقاً، ترجع لحوالي عام 1772 ق.م. وهي واحدة من أقدم الكتابات المصورة في العالم.

وحمورابي هو سادس ملوك بابل، ووضع الشريعة، وأمر بنسخها على شواهد حجرية بقامة الإنسان، وعلى ألواح طينية مختلفة. ويعد أحد أفضل الأمثلة المحفوظة لمثل هذا النوع من الوثائق لبلاد ما بين الرافدين. وتوضح الشريعة قوانين وسنن وعقوبات من يخرق القانون. ولقد ركزت على السرقة، والزراعة أو رعاية الأغنام وإتلاف الممتلكات، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات. ولا تقبل هذه القوانين الاعتذار، أو توضيحٍ للأخطاء إذا ما وقعت. ولقد فتح المجال أمام الجميع لرؤية هذه التشريعات الجديدة كي لا يتم التذرع بجهل القوانين.

وتعتبر كل من المدونة الاثينية وشريعة حمورابي تعبيراً واضحاً عن المبادئ المستمدة من الأخلاق. وهذا التمييز يبدو أكثر وضوحاً في كتابات "جيريمي بنثام" الفيلسوف البريطاني في القرن الثامن عشر. فالمبدأ الأخلاقي بالنسبة له هو "قانون عام أو قاعدة توجه السلوك أو القرارات"، في حين أن القيم تعبر عن "التطلع إلى حالة أخلاقية مثالية". إذن٬ القيم هي التزامات أخلاقية عامة بينما المبادئ هي الشروط الأخلاقية أوالسلوكيات التي نتوقعها. وقد كانت رؤية "بنثام" موجِهة لوضع العديد من القوانين٬ حيث عبر عن ذلك بعض رجال القانون بالقول بأن "القوانين تطفو على سطح من الأخلاق". وكما سبق وأن ذكرت في الجزء الأول٬ فإن الديانات السماوية التوحيدية رسخت وقننت مسألة القيم الأخلاقية التي توجه السلوك الفردي والجماعي.

إذن٬ الأخلاق هي نظرية وعملية. فهي نظرية بقدر ما توفر المبادئ الأساسية التي يتم على أساسها التوصل إلى الأحكام الأخلاقية. وهي عملية بقدر ما تعنى بالغاية التي يجب تحقيقها، ووسائل تحقيقها.

والأخلاق ليست مجرد مجموعة من "القواعد". فمن المؤكد أن الأخلاق تتعامل مع القواعد الأخلاقية ولكن لا يمكن للمرء أن يربط الأخلاق بالقواعد الأخلاقية فقط. فالأخلاق لا تهدف في المقام الأول إلى تقييد سلوك الفرد، بل مساعدة الفرد على العثور على ما هو جيد والتعرف على كيفية الحصول عليه. إذن هناك ارتباط بين الأخلاق والحرية.

في الجزء الثالث سنناقش مسألة الثقافة وعلاقتها بالأخلاق.

إعلان