إعلان

معنى الإسكندرية ..!

د. أحمد عمر

معنى الإسكندرية ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
09:20 م الأحد 15 مايو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

الإسكندرية فكرة وأفق روحي وعقلي وثقافي وحضاري، وليست مجرد مدينة؛ فمنذ نشأت الإسكندرية كـ"فكرة" في عقل الإسكندر المقدوني، ثم وضع حجر تأسيسها عام 333 قبل الميلاد، وأمر أن يَسكنها مجموعة من السكان الأصليين أصحاب الأرض، بالإضافة إلى حامية مقدونية وجالية يونانية، أصبحت الإسكندرية نموذجًا حيًا للمدينة الكوزموبوليتية (العالمية) التي تضم أجناسًا وشعوبًا وثقافاتٍ مختلفة، وتحلم بالقضاء على الصراعات والحروب المستمرة بين الثقافات والبشر، وتقديم فضاء حميم للعلم والعمل وعيش الحياة.

وهذا التلاقي السكاني والثقافي الذي ازداد ثراءً مع مرور السنين، هو ما صنع خصوصية الإسكندرية ودورها ورسالتها في ثقافتنا المصرية وفي الحضارة الإنسانية.

وهو الذي جعلها فضاءً للحوار بين الثقافات والحضارات، وعاصمة للعالم القديم، وجسرًا بين الشرق والغرب، وأفقًا مفتوحًا لروح وعقل المتطلعين لكل ما هو جديد ومُثير في مجال الأفكار والفلسفات، وفي أساليب عيش الحياة والاستمتاع بها.

وهذا الطابع المميز للإسكندرية، جعلها موضع عشق أهلها وكل من زارها أو أقام بها؛ ولهذا قال عنها الأديب الراحل نجيب محفوظ على لسان "عامر وجدي" بطل رواية ميرامار: "الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع".

بالاضافة إلى ذلك، فإن من أهم أسباب عشقنا للإسكندرية أنها مدينة الأجناس المختلفة؛ فهي مدينة المصريين واليونانيين والرومان والعرب والأتراك والروس والإيطاليين والأرمن.

وإنها مدينة التناقضات المتناغمة؛ ففيها ملامح وثنية ودينية وصوفية، ومعابد وآثار يونانية ورومانية ويهودية ومسيحية وإسلامية، وفيها مزارات ومقامات القديسين المسيحيين والأولياء المسلمين.

وهي مدينة دور العلم والمراكز والمؤسسات الثقافية الراقية، ومدينة الترفيه والمطاعم والحانات والمقاهي ودور المسرح والسينما.

وهذا يعني أنها مدينة كل شيء ونقيضه، وتلك التناقضات تستجيب للتناقضات الكامنة في الطبيعة البشرية، وتُشبع حاجاتها المتنوعة؛ ولهذا يجد الإنسان فيها ذاته وسعادته، بعد أن تتحرر فيها روحه، وينفتح عقله.

والإسكندرية "مدينة صالحة للأحلام"، كما قال محمد المنسي قنديل في روايته "انكسار الروح".

وخاصة "أحلام الغرباء" الذين يلجأون إليها في أوقات أزمتهم الشخصية والفكرية، ليعيدوا اكتشاف ذواتهم، وترميم ما تصدع من صروح أرواحهم وأحلامهم، فتمدهم بالكثير من المباهج والمنح، وتُعيد نبض الحياة إلى عروقهم، وتحفزهم على التجاوز ومواصلة الرحلة.

والإسكندرية هي مدينة المشائين الذين يُجيدون قراءة لغة البحر والحجارة والعمارة، ووجوه الناس؛ فالسير على شاطئ بحرها، وفي أحيائها وشوارعها وميادينها القديمة، وتأمل وجوه ناسها وجمال وتنوع وثراء ملامحهم، مصدر بهجة وثقافة عظيمين، ومدخل مهم لاستدعاء تاريخ المدينة الثري، والدخول في علاقة روحية وثقافية معها، تجعلها تبوح لك بما لم تبُحْ به لعاشق قبلك، وستقع في هواها للأبد.

وفصل المقال، إن الإسكندرية مدينة حميمة، ومعشوقة أثيرة، لا يُمكن أن تُعوضك عن فقدها مدينة أخرى، وسوف تُعاني دومًا من وجع البعاد عن روحها ورائحتها، وسوف تُرهق روحك ذكرياتك معها، ومتعة اكتشافها وقربها، وإن اضطررت أن تقول يومًا: وداعًا للإسكندرية، كما قال قسطنطين كفافيس، شاعرها الشهير، فاعلم أنك حتمًا سوف تعود إليها، ودومًا سوف تظل تقول: أعشق الإسكندرية.

إعلان