إعلان

نعمة الوطن ومحنة اللجوء

د. أحمد عمر

نعمة الوطن ومحنة اللجوء

د. أحمد عبدالعال عمر
07:19 م الأحد 20 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول


"إذا كان الوطن يساعد الإنسان على أن يكون نفسه، فإن اللاجئين لا يُشبهون أنفسهم. يعيش اللاجئون أزمنة جديدة، ويستقرون في أمكنة جديدة، ويتكيّفون مع أمزجة جديدة. يُعيد الزمان والمكان والمزاج تكوين اللاجئين. ليس اللاجئون ما كانوا في أوطانهم؛ إنما ما تحولوا إليه".

هكذا تحدث الكاتب والروائي السعودي علي الشدوي في روايته "طيور إفريقيا" موضحًا علاقة الإنسان الروحية الحميمة بوطنه، وكيف يصبح مستقرًا نفسيًا ووجدانيًا وثقافيًا باستقراره وشعوره بالأمن والطمأنينه فيه.

وكيف يغترب عن ذاته باضطراره للهروب من وطنه بسبب الحرب أو الفقر، ليتحول إلى لاجئ في بلاد الآخرين، ويبدأ في اكتساب سمات وهوية جديدين مغايرين لما كان عليه قبل هروبه واغترابه عن بلاده.

وفي حقيقة الأمر فإن تجربة الهروب من الوطن واللجوء إلى بلاد أخرى، بسبب الفقر أو الحرب، هي تجربة وجودية وروحية وثقافية قاسية، لا يمكن أن يصفها بدقة إلا الذي عاشها وعرف عذاباتها وويلاتها.

والحمد لله أننا في مصر لم نعرف تلك التجربة القاسية في أي مرحلة من تاريخنا القديم والجديد، رغم ما عاشه أجدادنا وآباؤنا من محن وشدائد وغزوات وحروب على مدار تاريخنا.

وربما يرجع ذلك إلى أن المصريين كانوا يعتقدون أن الخروج من البيت والوطن، والاغتراب عن أرض الآباء والأجداد، وموطن النشأة والطفولة والصبا، هو انتحار وموت نفسي؛ ولهذا فضلوا مغالبة الحياة القاسية في وطنهم، وربما مواجهة مخاطر الموت الحقيقي في أرضهم عن عن الهجرة عنها.

وحتى الذين خرجوا من مصر لأسباب مختلفة، واغتربوا في بلاد الآخرين، عاشوا هناك على أمل واحد، هو أن تمر الأيام والسنون، وأن يعودوا إلى مصر ليعيشوا أيامهم الأخيرة فيها، وأن تضم أرض بلادهم الطاهرة أجسادهم في نهاية المطاف، مثلما فعل جدنا "سنوحي" في القصة المصرية القديمة، التي جسدت - على أوضح ما يكون - علاقة المصري المصري ببلاده وأرض أجداده، وتمسكه بالعيش فيها، وحنينه الدائم للعودة إليها إذا أُضطر للخروج منها.

بالإضافة إلى هذا التفسير الوجداني، فإن مصر عبر تاريخها القديم والحديث، لم تعرف تجربة الحرب الأهلية التي تقوم بين أبناء الوطن الواحد، والتي تدفع بالإنسان إلى حماية نفسه وأهله والهروب من حرب الأخوة الأعداء التي لا ناقة له فيها ولا جمل، واللجوء المُهين إلى بلاد الآخرين.

ولهذا سوف نظل نقول - رغم كل الصعوبات والتحديدات التي تواجهنا في حياتنا - كما قال أجدادنا وآباؤنا: الحمد لله على نعمة البيت والوطن الآمن.
الحمد لله على نعمة العيش في ديارنا وأرضنا، والنجاة من كل أشكال محنة الاغتراب واللجوء إلى بلاد غير بلادنا.

إعلان