لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

صراع القيم

د. غادة موسى

صراع القيم

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:05 م السبت 05 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تتجاذب المجتمع المصري منذ عدة سنوات عدد من القيم التي تخرج إلى السطح مع ظهور حدث أو مشكلة تستحوذ على اهتمام الرأي العام المصري.

وإذا كان هذا أمرا طبيعيا ليس في مصر فقط بل في كافة المجتمعات فلأن التناقض هو أمر طبيعي أيضاً. فالوعي بوجود التناقض في حياتنا أمر لا يستوعبه الكثير من البشر. وكأننا يجب أن نحيا في مجتمع يوتوبي فاضل ومثالي. وهو الأمر الذي لا يتماشى مع طبيعة البشر التي تتكون من الخير والشر.

عدم الوعي بوجود التناقض وأهميته -حتى يدرك الإنسان الفرق بين الخير والشر والنور والظلام- يجعل المجتمع دائماً في حالة صراع مع بعضه ومع المجتمعات الأخرى. كما يكشف عن كيفية إدراك وفهم المجتمع - المصري هنا- لعدد من القيم وفي مقدمتها قيمة الحرية مقابل قيمة المحافظة، بالإضافة لقيمة الحداثة مقابل التقليدية. إن الفشل في ضبط بوصلة المجتمع تجاه هذه القيم يودي بنا إلى التطرف. ولا أقصد هنا التطرف بمفهومه الضيق، ولكن الانتصار للسالب او للموجب وإلغاء المساحة التي تتوسط الطرفين او القطبين. وهو ما يطلق عليه البعض المساحة الرمادية. والتمركز في هذه المساحة الواسعة يسمح بمناقشة الأفكار وتحليلها وفهما ً أفضل للقيم بعيدا عن التطرف والغلو والتراشق اللفظي لأن هذا او ذاك لا يتبنى قيمي أو آرائي.

وظاهرة التطرف في الرأي ليست بجديدة. فالتطرف وُجِد وسيوجد في كل المجتمعات. وانتشر وعينا به في السنوات الاخيرة بفعل تاثير الاعلام المجتمعي. والوقوف أمامه مكتوفي الأيدي أمر غير مطلوب وغير مستحب مطلقاً.

ًوباستعراض القضايا والمشكلات التي مر بها المجتمع المصري خلال الشهور السابقة وكشفت عن غياب الوعي بضرورة وجود التناقض وكشفت أيضاً عن خلل في كيفية التعامل مع قيمة الحرية، سنجد أنفسنا أمام ثلاث قضايا : قضية فيلم روائي، وقضية أسرية، وقضية حياة. وفي القضايا الثلاث تلعب المرأة دور البطولة. فهي إما تتمتع بأقصى درجات الحرية سلوكيا سواء من حيث المظهر أو من حيث قرار إنهاء حياتها، أو من حيث الاستنجاد بالمجتمع عبر الإعلام المجتمعي لإنقاذها. في الحالات الثلاث مارست المرأة حريتها. ولكن الاشكالية ليست في ممارسة المرأة لحريتها ولكن في إدراك المجتمع لحدود حقها في ممارسة تلك الحرية.

لقد انقسم المجتمع المصري في إدراكه وفهمه للقضايا الثلاث إلى فريقين يقفان على طرفي المسطرة: طرف موافق موافقة مطلقة وطرف رافض رفضا ًمطلقاً. أي أننا أمام حالة استقطاب وصل لحد التطرف الفكري عند الفريقين. فما بين السماح والتجريم شكل المجتمع محاكمة لأبطال القضايا الثلاث. وجميع الأحكام الصادرة ترتبط بقيمة الحرية. وقليل جدا من الآراء ابتعدت عن إصدار أحكام وحاولت فهم وتحليل القضية للوصول لحل مفاده "محاولة التصالح مع قيمة الحرية"! هؤلاء هم الذين سمحوا لأنفسهم بأن يتحركوا بيسر في المساحة الرمادية بين طرفي الحكم.

هؤلاء تحرروا من كافة الأحكام والتبعية لأية ثقافة. لم يدعوا أنهم غربيون أو مشرقيون أو محافظون أو ليبراليون. لم يستعيروا فلسفات ومفاهيم معقدة تُفصِح عن رغبتهم في إثبات هوية ما. وإنما قرروا مناقشة الامور بمنطق وعقلانية.

هؤلاء يجب أن يكونوا " أنتَ" و"أنا" و" أنتم"!

إعلان