إعلان

الإطار القانوني للعمل عن بُعد

د.غادة موسى

الإطار القانوني للعمل عن بُعد

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:55 م السبت 17 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

اعتمد العالم بشكل جدي فكرة العمل عن بُعد وبصفة خاصة في ظل جائحة كورونا. واستمرت فكرة قيام الافراد بالعمل من المنزل حتى بعد انحسار الجائحة. وإذا كانت فكرة العمل عن بُعد سواء كان عملا مكتبياً أو عملاً هاتفياً Teleworking محببة عند البعض وغير محببة عند البعض الآخر، فإنها صارت واقعاً لابد من التعامل معه ووضع أطر قانونية ومحاسبية له.

فلم يعد العمل مقصوراً على سبع ساعات أو عدد محدد منها، وإنما يمكن للعامل (أقصد هنا العامل بشكل عام وهو أي فرد يقوم بعمل) أن يطيل ساعات عمله لعشر ساعات أو حتى اثنتي عشرة ساعة عمل.

وقد بدأت بعض الدول الغربية في التعامل مع هذا التطور من خلال النظر في تداعيات العمل عن بُعد على سوق عمل وهياكل المدن وعلى أسعار العقارات وعلى الحياة الاجتماعية بشكل عام.

وقد أشارت إحدى إحصائيات العمل البريطانية إلى وصول العاملين المهرة عن بُعد إلى إجمالي العاملين المهرة هذا العام، ٢٠٢٢ إلى ٣٦٪ من إجمالي عدد العاملين مقارنة بحوالي ٦٪ عام ٢٠١٩. أما بالنسبة للعمالة غير الماهرة فبلغت نسبة العاملين منهم عن بعد ١٥٪ عام ٢٠٢٢ مقارنة ب ٥٪ عام ٢٠١٩. وفيما يتعلق بالعمالة التي تقدم خدمات محلية فقد وصلت نسبة هؤلاء الذين يعملون عن بُعد منهم لحوالي ٧٪ عام ٢٠٢٢ مقارنة بأقل من ٣٪ عام ٢٠١٩.

وقد دعت تلك الظاهرة صانعي السياسات في المملكة المتحدة إلى التفكير في كيفية جذب العمالة الماهرة مرة أخرى إلى مركز المدن الكبرى، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم بدأت تغير نمط حياتها من بالانتقال إلى خارج المدن من أجل الهدوء من جهة، والبحث عن مساكن أصغر حجماً وأقل تكلفة من جهة أخرى. وهو ما تسبب في إغلاق ٢٢٪ من المحال الترفيهية، وهو نفس الأمر الذي حدث في باريس وتورونتو في كندا ومانهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن هذا التطور أثر على وجود ما يسمى بالمراكز التجارية، حيث صارت شبه خاوية في العديد من المدن الكبرى في بعض أيام الأسبوع. وبالتالي قد تختفي فكرة المراكز التجارية التي تضم الشركات والأعمال الكبرى لصالح العمل من المنزل المكتبي أو الهاتفي. وقد أثر ذلك على أسعار العقارات. فعلى سبيل المثال انخفضت أسعار العقارات القريبة من المراكز التجارية في لندن بحوالي ١٧٪ هذا العام. وكانت هذه الأسعار تزداد كلما اقترب العامل من المركز التجاري ومركز الأعمال في المدنية. وتشير الدراسات الحالية إلى عدم وجود فارق في الأسعار بين من يقطن بجوار مراكز الأعمال والتجارة في لندن وبين من يقطن بعيدا عنها ببعض الكيلومترات، وخاصة بالنسبة للعمالة الماهرة. وهو ما يقتضي التفكير في نموذج آخر لتشييد المدن يشبه الدوائر الصغيرة.

كما يتطلب ما سبق إعادة النظر في التنظيم القانوني للعمل عن بعد وكيفية وضع نظم للمراجعة والرقابة ذاتية الطابع، بالإضافة لإعادة النظر في أجور العمالة الماهرة التي تتعدى عدد ساعات عملها السبع ساعات المقررة رسمياً ودولياً.

ويرى بعض المحللين- وأتفق مع هذا الرأي- أن أجور العمالة الماهرة لن تمثل عبئا إضافياً على صاحب العمل، حيث تتوازن تلقائيا بعد استبعاد تكاليف الانتقال والسكن الباهظ بالقرب من مراكز الأعمال والتجارة. في حين يرى محللون آخرون إلى ضرورة إعادة النظر في إجمالي الأجور، حيث تزداد عدد ساعات العمل لتصل إلى عشر واثنتي عشرة ساعة عمل منتظمة أو متقطعة- حسب طبيعة العمل. كما قد يتطلب الأمر تواجد العمالة الماهرة مرة أو مرتين في الشهر في موقع العمل الفعلي. وبالفعل تتبع بعض البنوك في المملكة المتحدة تلك الاستراتيجية، حيث تطلب من "العمالة الهاتفية" التواجد مرتين في الشهر في موقع العمل الفعلي وبنفس توقيتات العمل الهاتفية.

فمن الأهمية بمكان إعادة النظر في قانون العمل في مصر – أخذاً في الاعتبار قوانين العمل في الدول الأخرى الغربية والشرقية معاً، ليصبح أكثر مرونة وأكثر توفيراً للحماية للعامل المصري وغير المصري، خاصة أن العمل عن بُعد هو عمل عابر للحدود وفروق التوقيت، كما أنه لا يقتصر على القطاع الخاص بل قد يمتد إلى القطاع الحكومي الرسمي الذي ينتقل تدريجياً نحو مزيد من العمل عن بُعد.

إعلان