لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"النجوم الزاهرة".. أيام في الزمان مضيئة

د.هشام عطية عبد المقصود

"النجوم الزاهرة".. أيام في الزمان مضيئة

د. هشام عطية عبد المقصود
07:01 م الجمعة 07 أكتوبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تظل تطل على دورات السنين والأيام مضيئة في حنو كأنها تهدي الخطى على الدروب ومهما امتد سفر الزمان، حاضرة تشحذ العزم وتعيد بذر نبتات الأمل عن طاقة الفعل حين تتجاوز حديث حدي الممكنات والمستحيلات، وهكذا يحضر نصر أكتوبر مشرقا طيبا زاهيا، في السادس من أكتوبر 1973 عرفت مصر ولازالت واحدا من أهم إشراقاتها التاريخية والباقية أبدا، وهذا ما يبقى في تاريخ الأمم ويمضي معها زهوا وفخرا وخلودا، تعبيرا عن خطوها المنتصر وفرحها المنتظر في دورات الأيام، حيث ذكرى النصر، التخطيط والجهد والتحقق، والذي عبر عن تحول نوعي في العقلية والطريقة والأداء فأنتج أثرا بهيا، ومثل بلورة للإرادة والجوهر النقي في نفوس وسلوك كل عناصر الشعب المصري الذي أسس أول دولة في التاريخ وقدم للبشرية مشاركة جليلة في الثقافة والتراث الإنساني العالمي حين بزغت من أرضه أولى ضياءات "فجر الضمير".

علي هذه الأرض قدم أبناء مصر وأبطالها تأكيدا لم يتوارَ بشغف المجبين الأصلاء، بأن مصر إن أرادت فاستعدت أنجزت، وإن سخرت جهدها وفكرها حققت، فانتصرت وعاشت أبية ما شاء الله للتاريخ والحياة أن يستمرا.

إن الانتصارات والمعارك الملحمية في تاريخ البشرية لا تصنعها الصدفة أو جهد متفرق أو عمل فردي لا تصهره غاية جماعية، ولهذا تبقى تلك الأيام حية نابضة في نفوس وأرواح كل البشر كونها تعبر عن روح الأمة الحضارية، تبقى لتثبت المكانة في المستقبل وتمد للحاضر جذراً في أرض وسماء الوطن، وهكذا صنع يوم 6 أكتوبر ومثل ملحمة ونصراً باقيين، وكان أبطال مصر من جنودها وضباطها أبناء مواطنيها وأهلها العامرين باليقين، هم جوهرة التاج الذي وقف تحت رايته المنصورة المرتفعة الجميع ليأخذوا صورة "حقيقية"، وضاحة تحمل تفاصيل المنجز وتعبر بها الأجيال وتمضي موثقة، ومؤكدة على العزم والفعل، على ذلك الشيء الذي نعرفه ويتملكنا فيتخللنا نبضا وشغفا حين نسمع نشيدنا الوطني، هي بعض معنى الوطن التي نحمل جيناته ونمنحها محبين للأبناء، دما وجسدا وروحا.

يمنح تاريخ النصر العظيم مساحة للتأمل عن كيف نعيد تثبيت ما يلزم وجوهري في مدركات وعقول أجيال جديدة ناشئة لم تعرف الكثير بحكم السن عن أجمل ملاحم ومنجزات وتحققات وحكايات تاريخنا الحديث، لتعلم بالضرورة أهمية هذا النصر وما صنعه من تحول مهم، عبر بالمجتمع وبسرعة الضوء من هزيمة إلى نصر، ومن ألم إلى تحقق وفرح، ومن عسر إلى يسر مديد، نحتاج أن نستلهم ونستعيد الهدف والعمل والأمل.

يأتي السادس من أكتوبر النصر فيمنحنا ظله الطيب الممدود، لنعيد ضخ قيمة حب الوطن والعمل الجماعي الملهم في النفوس، العمل الذي يبتغي الوطن والناس الذين يعيشون على جغرافيته الفذة، يمنحنا فهما ووعيا بكيف قاومت مصر وقع الهزيمة من أول يوم فاستعدت وخططت وعملت، وشارك المواطن محبا مختارا متشجعا صبورا في التضحيات التي تبتغي وجه الله والوطن، إيمانا منه بالهدف والغاية ثم ذلك الحب "حب الوطن" الذي هو هبة من الله وفطرة عطاء يستقر في النفوس فيمنحها طمأنينة وأملا.

تستدل بعض الكتابات عن ذلك التاريخ بشئ نضر، يرونه ملمحا عابرا بسيطا وأراه عظيما، أنه لم يُسجل في هذا اليوم العظيم حوادث أو جرائم مما تحتشد به مفردات السلوك اليومي وتدافع البشر في كل المجتمعات وعبر كل التواريخ، لكنني أتوقف مندهشا ومحبا معا أمام هذه الملاحظة البسيطة، وأحمل دلالتها بأن الكل كان هناك مع الأبطال من جيش مصر العظيم، جميعهم أخواته وأبنائه وأحفاده وأقاربه وهم يخوضون معركة بقاء دفاعا عن كرامة الجميع، دفاعا عن الأرض وعن حق الوجود فخرا وعمقا في التاريخ والمكانة.

أتذكر وقد راقبنا أطفالا اجتماع شمل الأسرة حول مذياع يحمله رف خشبي عتيق، نتابع ونخرج إلى البلكونات نستطلع الحكاية من وجوه الجيران، ونحفظ الأسماء، أسماء الأبطال الأفذاذ الحقيقيين والمجهولين سوى من العطاء والعاديين سوى من كونهم مثلنا ويشبهوننا جميعا، هؤلاء من صاروا لدينا نجوما حقيقية، تلمع وتضئ وكيف لا والمجتمع كله يحتفي بهم ويؤكد على دورهم، ونظل نعيد كأطفال المشاهد كأننا هم وكأنهم نحن، الحكايات ذات التفاصيل البهية عن عبد العاطي ومحمد المصري صائدي الدبابات، ومحمد العباسي من أوائل من عبروا القناة ورفع العلم انتصارا ممهورا بدمه، نتمثل بطولاتهم جميعا ونتقمص شخصياتهم، ونفرح معهم ونستعيد بعضا من سيرة العطاء الذي لا يسأل الوطن مقابلا، حكايات تهفو لها القلوب لها وتصفو بها مقامات الحكي.

تظل تمنحنا الصور والأفلام زخما نفسيا طيبا في ذكري النصر، وهي توثق بعضا من أبعاد تلك الملحمة العظيمة وتقربها من حيز الزمان، لكننا وفي عصر الوسائط التي تتأسس على الإنترنت، وفي زمن شاشات الموبايل التي تمثل ثقافة العصر ووسيلته العارضة الأهم نحتاج إلى أفكار أخرى مستجدة ونمطا تفاعليا خلاقا في إعادة بناء منجزنا المجتمعي العظيم، يأخذ البعدين البطولي والإنساني معا ويتحرك بهما لبناء حكايات محببة عن البشر والناس عن الحياة والنصر، حكايات ملحمية، جذابة ومشوقة، تقدم الإنسان المصري الذي صنع الفارق، عن الشاب البسيط الذي ترك كل شيء غير وجل - حلمه الشخصي ومستقبله بل كل حياته - ليكون هناك يعبر الهزيمة ويغرس علم الوطن نصرا، وهو بلسان صدق مبين يقول: "تعيشي يا بلدي وعلمك مرفوع على يدي"، عن أولئك الجنود والضباط من "ولاد مصر" أبناء الفلاحين والعمال والمهنيين وخريجي الجامعات الذين شكلوا قوام النصر، أبناء مصر الطيبين، وحيث في ذلك الزمان الجميل وفي التاريخ الذي يبقي أبدا، في السادس من أكتوبر 1973 العظيم "رجعنا ابتسامة مصر".

إعلان

إعلان

إعلان