إعلان

حكايات مضغ الوقت.. "قصة قصيرة"

د.هشام عطية عبد المقصود

حكايات مضغ الوقت.. "قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
08:51 م الجمعة 14 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

فضاءات الإنتظار ..

كان ضوء النيون منطلقاً من اللمبة الممتدة أفقياً أعلى الباب الخارجي الذي بُهت طلاؤه وظهرت بقعة عندما أدار بقوة "أكرة" ففتح الباب الحديدي الملاصق له بصوت صفير حاد، كان قد آتي ماشياً من نهاية الشارع الذي يقبع في آخره البيت، كان يعرف المكان تماماً، من بعيد ظهر له المنزل مصفراً عتيقاً تخيله وجهاً مرهقاً شاحباً لشخص يعرفه، بينما يمضي في اتجاهه لم يجد شيئاً سوي الفراغ يملأ مساحة الطريق المؤدية إليه، ينصت جيداً، فقط كل ما يمكن أن يدركه صوت لفحات من هواء بارد يمر قاسياً فيلسع الوجه، يمسح أنفه بمنديل ورقي ويمضي في اتجاه الباب، حول جرس الباب تجمعت نقاط تراب تكثفت وتجلّدت كبقع سوداء صغيرة، نظر لحائط المنزل وحيث وشي التدقيق فيه أنه كان أبيضا ذات يوم.

يضع إصبعه على الجرس فيسمع صوتاً منغماً رفيعاً ممتداً يأتي من الداخل، يشعر أنه طال كثيراً وأنه أبداً لن يتوقف، لكن فجأة يحل الصمت، ظل ثابتاً منتظراً حتى مضت دقيقة وهو يتابع ثوانيها متأملا في ساعة يده تتوالى بطيئة حتي اكتملت، تنتابه رغبة مفاجئة وملحة في العودة، لكن خجلا يعتلي الرغبة فيُسكنها ويُصمت صوت إلحاحها المتكرر.

يقول داخله لو أن الباب لا يفتح، يُمني نفسه بذلك وهو يقترب أكثر من الباب مرة أخرى ويضع بصمة إصبعه ذاتها على جرس الباب، هذه المرة بخفة وبسرعة، تفاؤلاً بأنه لن تأتي إجابة كما المرة السابقة، يسمع صوت الجرس وأيضاً لا رد، يعيد التفكير في التصرف القادم، يقول لنفسه إنه سيكتب كلمات معدودة على ورقة مسطرة حتماً سيجدها معه في الحقيبة التي يسير بها، يقول فيها إنه جاء وانتظر كثيرا ثم اضطر إلى الرحيل، سيسعي ما أمكنه التفكير لتأكيد لك بإضافات لغوية، يفكر ربما لارتباطه بظروف عمل محددة مسبقا ولا يمكنه آسفاً تأجيلها، وأنه ربما سيعود مرة ثانية، توقف ليعيد تكرار الجملة الأخيرة في داخله كأنها يسمعها من جديد أو يفكر فيها متمهلاً: "أنه ربما سيعود مرة ثانية"، يقرر فوراً حذفها، سيقول أنه جاء وانتظر ولم يرد أحد ومضى ويعبر عن تحياته وكثير من تمنيات طيبة، يُحدث نفسه: هذا أفضل وأكثر واقعية ثم إنه حقا ما يقدر عليه.

على جانب الباب شجرة تقزمت فروعها كأنها لم تعد تنمو ولا تتأثر أبدا بتغير الفصول، يعرف أنه رآها ذات مرة أكثر علواً واخضراراً، لا يتذكر متى كان ذلك تحديدا، يسترجع أيضا كيف كان هناك كرسي خشبي بمسند طويل يتواجد دائما إلى جوارها، يعيد تفحص المكان بحثاً عن الكرسي فلم يجد شيئاً غير سلة قمامة مثقوبة، يسأل متى جاء كل هذا التراب إلى المكان؟، يمضي معطياً ظهره إلى الباب بعد أن اكتفى بكتابة اسمه على ورقة صغيرة مررها من تحت الباب وتأكد أنها اختفت في الداخل.

غمره شعور مفعم بالراحة ومشي مسرعاً تسابق خطواته ظله المستلقي على أرضية الممشى الطويل من أثر أعمدة الإنارة المتناثرة، أسرع أكثر في اتجاه الطريق الرئيسي وأذنه تستنفر حاسة التقاط اﻷصوات حتى طاقتها القصوى خشية أن يسمع فجأة صرير ذلك الباب الخشبي الضخم وهو يفتح.

إعلان