لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاء الغطريفي يكتب: البلوك تشين.. هل تُغيِّر مستقبل الإعلام؟

علاء الغطريفي

علاء الغطريفي يكتب: البلوك تشين.. هل تُغيِّر مستقبل الإعلام؟

علاء الغطريفي
05:30 م الإثنين 20 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مسلسل "START UP" تدور القصة حول 3 أشخاص بينهم مبرمجة لم تُكمل دراستها في الجامعة العريقة ستانفورد، اجتمعوا على فكرتها "الجينكوين" لينشئوا مشروعهم الخاص على الإنترنت في مدينة تسودها تجارة المخدرات والفساد وغسيل الأموال. باطن عُملتهم الرقمية "الجينكوين" كان ديمقراطياً؛ لتكون بعيدة عن سيطرة الحكومات أو مركزية الإنترنت، رغم أن أحدهم كان رئيساً لعصابة في حي يسكنه السود والفقر أيضاً.

يأخذني المسلسل الأمريكي لتقنية البلوك تشين "سلسلة الكتل" التي تدور حولها أحاديث خجولة حيناً وصاخبة أحياناً حول تغييرها لمستقبل الإعلام، فالبلوك تشين- التقنية المستخدمة في تداول العملات الرقمية- هي ببساطة نظام لا مركزي مشفر وعالي الأمان، صُنع عام 2008 ليكون مستخدموه هم ملاكه حقاً، يجرون فيه عملياتهم التجارية والشرائية وتسجيل عقاراتهم وممتلكاتهم وأفكارهم دون وسطاء أو سلطة مركزية.

أي ببساطة، عالم موازٍ يحكمه الملايين عبر العالم، ولا يمكن تغيير حقائقه لأنها محمية من جميع المستخدمين، فإذا وثّق أحدهم ملكية عقار أو شقة أو حتى فكرة، فستكون ملكيته أبدية موثقة لن يستطيع أحدهم التلاعب في بياناتها؛ لأن تاريخ الإنشاء مثل بصمات اليد يستحيل تغييرها أو استبدالها.

هذا العالم تعبر عنه كاثي موليجان، الخبيرة المعنية بالبلوك تشين في الأمم المتحدة، قائلة "من المحتمل أن يكون الإرث الرئيسي لتقنية سلسلة الكتل (البلوك تشين) هو أنه ستظهر حلول جديدة تمامًا للمشاكل القديمة عندما يتم تسليم طاقة الحوسبة إلى جزء كبير من السكان بدلاً من الاحتفاظ بها فقط في الشركات".

يخشى الناس دائماً من التقنية فهي بمثابة غدر التكنولوجيا الذي يُقلق التقليديين أكثر، بوصفه شبح الإزاحة من مهن الإبداع، وبالأخص الإعلام، رغم أن التقنية دائماً تحمل فرصاً قبل ما تحمل من تحديات. الأصل هو كيف نتعامل مع مزايا التقنية، وكيف نوجد منها التطور، أو تطويعها لصالح مسارات إنتاج المحتوى.

ومن ثم فالبلوك تشين تحمل للإعلام فرصاً قبل أن تكون تحدياً جديداً أمام صُنّاعه.

البلوك تشين ستعطى لأي صانع محتوى قدرة أكبر على إنشاء المحتوى، وتطويره وتطويعه مع حدود تبلغ السماء في حرية التناول واختيار الأفكار وحشد الآراء مع استقلالية أعتقد أنها لا توجد سوى في روايات الخيال العلمي.

البلوك تشين ستمنح صانع المحتوى- فرداً أو مؤسسات- قدرة غير مسبوقة على حماية المحتوى من خلال سلاسل الثقة التي ستخلق حولها صناعة كبيرة، ليكون كل صانع محتوى إبداعي مطمئناً أن منتجه لن يتم الاعتداء عليه مطلقاً، وسيكون همّه خلق محتوى جيد أملاً في الرواج والانتشار.

البلوك تشين ستحمينا من الأخبار الكاذبة وذباب اللجان الالكترونية، وستكون عدواً لدوداً للتزوير العميق في الصور والأصوات والفيديوهات، وستحارب التلوين والتلاعب في القصص عبر مؤسسات الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.

البلوك تشين ستجعل صانعي المحتوى من الأفراد أصحاب مشروعاتهم الذاتية بدرجة أكبر مما يتصورها اليوتيوبرز ومتصدرو شاشات الفيسبوك والتيك توك وأنستجرام أو المؤثرون أياً كانوا، فلن يكون هناك وسطاء مع المعلنين وأصحاب المحافظ الاقتصادية ليعلنوا عن منتجاتهم أو خدماتهم.

البلوك تشين ستكون عنواناً جديداً للقيمة والجودة وإعلاء قيم الصحافة الجيدة في الإعلام، فهذا المحتوى شرط رواجه هو أصالته وفرادته، فلن يكون مسروقاً أو مبتذلاً ليستهدف زيارات مليونية بعناوين ملاحقة الترافيك والتريندات واستجداء التفاعل وخداع المستخدمين والزيارات الحرام. البلوك تشين ستعيد الاعتبار لقيم العمل المهني.

البلوك تشين أراها تعبيراً عن النضج الالكتروني، وكذلك ستكون في الإعلام الرقمي. فالمراهقة التي تصنعها المنصات والمواقع لن يكون لها سبيل في عالم معاييره الأصالة وحماية المحتوى وتجنّب السرقة والقرصنة والحفاظ على الملكية الفكرية والتراث الإبداعي في أي مجال.

وإذا كان عمالقة الانترنت بدأوا في ملاحقة التزييف والترويج للأخبار الكاذبة وتبني إجراءات من شأنها حماية المحتوى، فهو يقرر لك كيف يكون عالم الإعلام بعد دخول تقنية جديدة. بالقطع ستظهر مسارات جديدة لها قوانينها وبداخلها فرصها للتمركز والنمو في سوق لا مركزي كل مستخدم فيه ملك متوّج، وبالعامية "صاحب ملك".

بدأت حكومات، مثل الإمارات، استخدام تقنية البلوك تشين في مجال الخدمات المقدمة لمواطنيها، وهناك كيانات صحفية في العالم تجرب حظها في إطار هذه التقنية، ولكن تظل النتائج مرهونة بمدى تقبل العالم لها، لكنه قطعاً لن يدير لها ظهره.

لأن التجربة الإنسانية وتاريخ التقنية علمنا العكس دائماً، فمنذ تحول العالم من الاقتصاد الصناعي لمرحلة الاقتصاد القائم على مجموعة التقنيات، والعالم لا يتوقف عن طلب المزيد في استهلاكه لكل شيء قائم على التقنية.

التقنية تحكمها دائماً أفكار خارج أطر التفكير التقليدي، إنه عالم مجنون؛ ولكن القصة في كيف تستخلص من جنونه الفرصة.

يرى البعض في فكرة التغيير أو الانتقال من مرحلة لأخرى، وحشاً كاسراً سينقضّ على استقراره ودعته وكسله واستسلامه أحياناً. ومن ثم فالتخوف البادي من مؤسسات الإعلام من التقنية مبرر، ولكنه لن يوقف عجلة الزمان.

إنها اجتياح مثلما فعل الإسكندر في العالم، أو هجمات تَتَرية لها جنكيزخان ما في الواقع، والحل دائماً هو الصحافة الجيدة المعيارية، مهما أحاطت بالإعلام الخطوب والمَلمّات.

إعلان