إعلان

بعد الهزيمة الثانية: عالم ما بعد أمريكا !

محمد حسن الألفي

بعد الهزيمة الثانية: عالم ما بعد أمريكا !

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 17 أغسطس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

فقدت الإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة الأمريكية شرفها الدولي، ووفرت تريليونات الدولارات، ودماء العشرات والمئات من جنودها وجنود حلف الأطلسي. تلك هي خلاصة الأحداث الجسام المهولة التي جرت في أفغانستان، في بضعة أيام، اجتاح خلالها تنظيم إرهابي ٣٢ ولاية، وأسقط جيشًا من ٣٠٠ ألف جندي مدججين ومدربين بأحدث الأسلحة الأمريكية، وتمكن من تطويق كابول العاصمة، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة انتقل التنظيم الإرهابي من ضواحي العاصمة إلى مقر القصر الرئاسي حوله إلى فوضى سلوكية... كان الانتظار ريثما يفر الرئيس أشرف غني هاربًا... وقيادات جيشه وبرلمانه!. الذهول ليس في فظائع أو معارك طاحنة، بل في السرعة التي استولت بها طالبان على دولة في تسعة أيام... وفي الانسحاب المدبر للجيش والأمن الأفغاني. فسرت الواشنطن بوست أمس موقف الجيش المخزي بأن طالبان متواصلة مع قياداته من عام ونصف العام بالرشاوي والاتفاقات!.

ومع استمرار مشاهد الرعب في مطار كابول، تتكشف واحدة بعد الأخرى، تبنى الرئيس الأمريكي المسؤولية المباشرة عن قرار وصفه الغرب بوصمة العار. برر بايدن الانسحاب المتعجل بأن ثلاثة رؤساء سابقين عاصروا أطول حروب أمريكا في الخارج. وهو لا يريد توريثها للخامس من بعده. وهو مذهول من تخاذل الجيش الأفغاني. وهو لن يحارب حربًا أهلية رفض أهل البلد ذاته خوضها. وهو لن يواصل استنزاف الموارد الأمريكية... أمر يسعد كلا من بكين وموسكو. لكن أخطر اعترافاته يلقي به في خانة الشجعان؛ فقد أقر بأن القوة العسكرية وحدها لا تحقق الاستقرار في بلد هو مقبرة الإمبراطوريات.

ما بعد أمريكا، تعبير سياسي جديد فرضته الهزيمة الثانية لدولة كبرى، بعد خروجها المذل من حرب فيتنام. ما بعد أمريكا تعبير سياسي ولد من رحم فعل الخيانة الفاضح المتبجح. تتحجج الإدارة الأمريكية بأنها لم تذهب إلى أفغانستان لبناء دولة ولا إلى خلق ديمقراطية... إنما لمنع هجوم إرهابي على أمريكا. حجة ساقطة. كانت المستشارة الأمريكية أشد شجاعة واعترافًا بأن الغرب لم ينجح في كل شيء وأي شيء.. لم يتم على النحو المطلوب رغم عشرين عامًا. ماكرون اعتبر التطورات في أفغانستان ذات تداعيات على فرنسا وأوروبا والعالم.

تصرفت الإدارة الحالية للولايات المتحدة بمنطق وقف النزيف.. والخسارة القريبة ولا المكسب البعيد... رؤية براجماتية نفعية يفهمها القادة والساسة حين يواجهون المسؤولية إزاء الهزيمة. نفس منطق الهارب أشرف غني... لن أقاوم فأدمر البلد وأشنق في نهاية المطاف.

يترتب على هذا الاختيار العار أن أحدًا لن يثق في وعد أو ضمانة أمريكية، ويترتب على ذلك أن أمريكا اعترفت بالتخلي عن دور قسم بوليس العالم.

لم تكن الهزيمة من قسمة أمريكا وحدها، بل لحقت أيضًا بحلف الناتو. والمفارقة الموجعة أن أطرافًا عربية في الخليج مضت تهنئ الجماعة الإرهابية على النصر المبين، وتسترشد بآيات الله البينات... نزلت في جند رسول الله صلى الله عليه وسلم... ولا يقصد بها قط جند القتل والتخلف والترويع والذبح ودعاة الظلام.

الشكل الذي تظهر به طالبان حاليًا ليس الوجه الحقيقي. يتحدث بعض السذج ويكتبون عن نضج الجماعة المفرخة للإرهاب، وأنها ترغب في أن تكون جزءًا من العالم... لا يوجد تنظيم يتاجر بالدين لديه قابلية تغيير المحتوى الدموي!.

ذهب الغرب إلى أفغانستان لعشرين عامًا.. وخرج منها بعد عشرين عامًا ليسلمها إلى الإرهاب ذاته الذي ذهب لإنهائه قبل عشرين عامًا!.

عالم ما بعد أمريكا يتشكل... داخل الاتحاد الأوروبي على الأقل..

إعلان