إعلان

الصعيد

خليل العوامي

الصعيد

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 27 ديسمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كل أبناء الصعيد من أمثالي يعرفون جيداً ويقدرون قيمة كل مشروع يتم تنفيذه في محافظة من محافظاتهم، مهما كان صغيراً، وحتى لو كان في قرية نائية أو عزبة أو تابع لقرية.. كل طريق يتم تنفيذه أو صيانته، كل مدرسة تبنى أو يتم ترميمها، كل مستشفى ينشأ أو تتم توسعته، وحتى كل كوبري صغير يمر أعلى ترعة عرضها لا يزد على خمسة أمتار فقط فيؤمن عبورا آمنا للمواطنين بين جانبي هذه الترعة، نقدر هذا كله لأننا عشنا بأنفسنا وعرفنا طوال أعمارنا التدهور الكبير في أوضاع الصعيد، وكم عانت محافظاته من الإهمال والتهميش على مدار عقود طويلة.

لقد كانت محافظات الوجه القبلي التي يعيش فيها قرابة ٣٠ مليون مواطن، خارج حسابات الدولة بصورة تامة، أو شبه تامة في أحسن الأحول، وسقطت حصتها من ميزانية التطوير والتنمية.

على مدار عقود لم تنل محافظات الوجه القبلي إلا فوائض الإنفاق الحكومي على القاهرة الكبرى والإسكندرية، وهي مخصصات كنت شحيحة بالأساس، وحتى هذه الفوائض كانت تكفي بالكاد بعض الخدمات البسيطة في عواصم المحافظات، بينما ظلت عشرات المراكز ومئات القرى وآلاف النجوع والتوابع دون خدمات تذكر وكأنها تعيش في العصور الوسطى. فلا تعليم ولا صحة ولا طرق ولا محاور مرورية ولا إسكان اجتماعي أو خدمات رياضية وثقافية.

هذا الواقع عشته وعاشته ملايين غيري، فمثلا الطريق الصحراوي الغربي الذي تم تطويره وافتتاحه السبت الماضي، ظل منذ إنشائه في التسعينيات دون أي صيانة حتى أصبح السير عليه رحلة عذاب.

وداخل المراكز الأمر أكثر سوءا حيث كنا نقطع مسافة 15 كم بين قريتنا "دلجا" وهي آخر قرى مركز ديرمواس بمحافظة المنيا بمحاذاة الطريق الصحراوي الغربي وصولا إلى المركز نفسه بمحاذاة النيل في قرابة ساعة، بسبب أن طريق واحد ضيق ومليء بالحفر والتكسير يربط كل قرى المركز وتسير عليه السيارات الخاصة والنقل والجرارات الزراعية والتوكتوك والتروسيكل والمواشي في الاتجاهين.

حالة طريق مركز ديرمواس ليست فريدة، وإنما هو حال معظم مراكز الصعيد.

يضاف إلى هذا النقص الواضح في الخدمات الصحية والتعليمية، وتدني مستوى مراكز الخدمات الحكومية، وغياب وسائل نقل جماعية آدمية، فضلا عن الغياب التام لفرص العمل، مما ساهم بصورة كبيرة في هجرة شباب الصعيد للقاهرة والمحافظات الساحلية بحثا عن لقمة العيش، فلا مناطق صناعية ولا مشروعات إنتاجية أو شركات توظف شبابا، ولا حتى خطط تنمية لمدن جديدة ومحاور ومشروعات كبيرة تفتح أملا في الحصول وظيفة وتستوعب ملايين من الأيادي العاملة من الشباب الذين ضاقت عليهم الرقعة الزراعية، ولم تعد تستوعب طاقاتهم خاصة الحاصلين على شهادات جامعية.

هذه الأوضاع خلقت شرخا عميقا بين سكان الوجه القبلي وبين الدولة، وأدت لفوارق حياتية واجتماعية ضخمة بين سكان الريف وسكان القاهرة، فشعر أهالي الصعيد أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

ولأني عشت كل هذا، ويعيشه أهلي حتى الآن، أقدر ما تقوم به الدولة خلال السنوات الأخيرة من خطة كبيرة واستراتيجية ضخمة لتطوير محافظات الصعيد، ترتكز على عدة محاور متوازية:

أولا: الاستثمار في البنية التحتية، لتطوير الطرق القائمة وإنشاء أخرى تمد جسور التنمية بين قطاعات ومراكز الصعيد وتربطها بباقي الجمهورية وإنشاء قطاعات صناعية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الوجه القبلي، وكل هذا بالإضافة إلى أنه تطوير فإنه يستوعب عمالة كثيفة.

ثانيا: توسيع برامج الضمان والحماية الاجتماعية وتيسير تمويل المشروعات الصغيرة، وقروض تنمية الأسرة، وتكثيف الخدمات الصحية عبر المبادرات النوعية.

ثالثا: الطفرة الكبيرة التي تحدث في قطاع الزراعة من استصلاح أراض جديدة، وتحديث منظومة الري من الغمر إلى الرش والتنقيط لأول مرة منذ عرفت مصر الزراعة، وإعادة تبطين وتأهيل الترع، مما يوفر المياه ويحسن إنتاجية الفدان ويزيد الرقعة الزراعية.

هذه الاستراتيجية التي أنفقت عليها الدولة ألف مليار جنيه خلال سبع سنوات هدفها الأساسي هو تحسين جودة حياة سكان الصعيد.. ولا يزال الصعيد يحتاج المزيد.

إعلان