إعلان

 حينما اخترع البشر الدراما ثم شاهدوها ..

د.هشام عطية عبد المقصود

حينما اخترع البشر الدراما ثم شاهدوها ..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 17 ديسمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

تماما وكما استعان المسافر القديم بضوء القمر ليدله على الطريق، وكما نام الأطفال الصغار في سالف العصر والأوان مطمئنين مسترخين وهم ينصتون لما ترويه الجدات عن مغامرات بدت الحياة فيها أسطورية مفارقة لحدود ما هو معروف ومعتاد من وقائع الحياة، ثم وبعد أن كثر تعداد البشر في الكون وتزاحموا فتبددت طاقة الخيال إلا قليلا فاخترع البشر الدراما على الشاشات بديلا وتعويضا عصريا يسيرا ومتاحا دوما، حكايات أسطورية ومخايلات تتقاطع مع وقائع حياتهم تتجسد دراما فتكون أفلاما ومسلسلات وقصصا وتمثيلات، تحمل بعضا من كل شيء في الحياة، خيرا وشرا، حزنا وبهجة، وما بين كل ذلك.
فبعد أفول زمن الجدات والأمهات الحكاءات المدهشات خلت البيوت وعقول الأطفال من تلك الخيالات والدراما اليومية المصنوعة الطازجة، حتى صار الحال على ما تعلمون بأن يجلس الأطفال الصغار إلى جوار الأمهات والآباء يشاهدون دراما التليفزيون ويتابعون قصص الحياة التي تحملها مسلسلات وأفلام أيامهم وبعضا مما تجود به سخية منصات التواصل من دراما آخرين وتريندات تبدو في ظاهرها أحداثا ومن داخلها تزدهر الدراما خيالا وإن تحايلت بوقائع معاشة، كما حلت مشاهدة مباريات الكرة بعضا من معضلة توفير البديل الدرامي لتصير بحق دراما العصر الأكثر متابعة كونيا، واستعان البعض بتفضيلات من دراما الرعب والأكشن وما تيسر من مصارعة مصنعة في هيئة دراما مطولة يقوم بها ممثلون مصارعون في سيناريو درامي بدائي، تفضيلات فردية تصنع فرجة العزلة، وقد يجتمع شمل الأسرة حين أوان لشيء مما صارت الدراما العابرة لتفضيلات الأجيال تجمعهم عليه لمشاهدتها على قلب جلسة واحدة وفى مكان واحد.
وقد صار أنه يمكن أن تعرف الشخص من مسلسله الدرامي المفضل، فمنه ستدرك ثقافته وأفكاره وأيضا خيالاته وأحلامه وبعضا أو كثيرا مما يحبه ويكرهه في الحياة، وبينما لكل دراما رواية عن زمنها وناسها ولكل متابعيها، وهكذا مثلا ستعرف لماذا يحن الكبار إلى ما يطلقون عليه دراما "الزمن الجميل"، حيث تلك النقطة البعيدة من الماضي التي انتقوها وتسمروا عندها شغفا مراوغا، إذ سيتفنون في وصف الإحساس الممتع بدراما الأبيض والأسود صابغا لون الشاشة بالرمادية وهي تنبعث منها أبخرة الحنين، بينما سيمضي الشباب والأطفال نحو دراما زمانهم متلاحقة متسارعة تجاري مرور الساعات كالثواني من كثرة المستجدات وقد يبدو ذلك صخبا أو ضوضاء لمن لايرى في الدراما غير ما عرفه فى زمانه البعيد، وسيسير كل ذلك توازيا.
سينكر الأبناء والأطفال ما يفضله الجدود والآباء من دراما ويرونها هامدة بطيئة غير باعثة للحياة، ولن ينصتوا كثيرا لحيث الذكريات عن تليفزيون زمان ذي القناتين الوحيدتين ولن يستمعوا بالطبع لكم بذل الأبناء الصغار الذين صاروا آباء كبارا الآن من جهد وهم يتنقلون في طريق ذي مسارين للتحويل بين القناتين ذهابا وإيايا بناء على رغبة الجالسين مشاهدة، وربما سيربط البعض ذلك بالإشارة إلى نحافة أجسام الأبناء أيام زمان وأن ذلك الفعل هو السبب تحديدا، سيدور الحال ومقتضاه في حديث الناس عن المسلسلات بين زمانين بحيث يبدوان كأنهما لا يجسرهما رابط، ولكن سيبقى الجميع عند خط المتابعة والاهتمام بالدراما وتنوعاتها ولكل درجة، ثم أن الكل يتفرجون.
وحين يطل السؤال المتفلسف المتكرر سابق التجهز والطعم وهو لماذا يقبل الناس ويفضلون مشاهدة كل تلك الدراما التي تنبعث من مختلف الشاشات بدءا من هاتف المحمول مرورا بالشاشات المنزلية وحتى الشاشات السينمائية لا يبدلون عنها حولا، سؤال سوف تتحدد سيكولوجية إجابته في أن الناس صاروا يعيشون الحياة أو يفضلونها على الشاشات أو هي أيسر لهم، أو هكذا شاءت لهم تطورات الميديا وصناعتها الضخمة في العالم فى أن يبقوا على تلك الحافة الفريدة، حافة الإندماج عبر المشاهدة ثم عصر النظارات ثلاثية البعد وما يتلوها، ستتعدد التفسيرات لكنها لن تمنح يقين الإجابة الهادئة المسترخية والتي ليست مهمة تماما لأن بعض الحياة وشيئا من سريانها وأيضا طقوسها لا يجدر السؤال عنها أحيانا.
ستجذب نداهة الدراما الجميع في قصص وحكايات مروية على الشاشات وعلى منصات التواصل الاجتماعي ومما تنشره مواقع الصحف من حوادث وحكايات المشاهير ولكل فيما يتابع دراما، وسيشاهد الناس أنفسهم التي يعرفون أو يتمنون أو يرغبون أو حتى يكرهوا في تلك الدراما، يصنعون عبرها عوالمهم المدهشة والغرائبية أيضا فيلما ومسلسلا وقصصا ومشاهدات، ويتقمصون أدوار بطولاتهم تلك التي قد تفارق أو تتعارض أو تتقاطع أو حتى تغيب عن مجريات حياتهم، وسيمضون بعدها يتحدثون وربما يتفلسفون نقدا عن تلك الحياة التي أورقت لهم تمثيلات على الشاشات فأحبوها وتسلوا بها ومكثوا إليها كثيرا حين تسلسلوا إليها فصارت مسلسلات أيامهم.

إعلان