في نقد الكتابة الميتة

الكتابة إن لم تكن نحتًا للمفردات من جبال الحروف والكلمات، لا يُعوّل عليها.

الكتابة إن لم تكن التقاطًا للمعاني والأفكار من أعماق التجربة الإنسانية وبحور الأسطورة والدين والفلسفة، لا يُعوّل عليها.

الكتابة إن لم تكن تكوينًا هندسيًا، ونحتًا فكريًا وأسلوبيًا، بعد بحث واستقصاء، لا يُعوّل عليها.

الكتابة إن لم تحمل قبسًا من جلال الجبال والعمارة الدينية القديمة، وتناغم الموسيقى الكلاسيكية، ورهبة موسيقى الكون، لا يُعوّل عليها.

الكتابة إن لم تُثِر روح ووعي القارئ، بحيث ترتقي بذوقه ومعرفته، وتنمي حسه الإنساني والنقدي، لا يُعوّل عليها.

الكتابة إن لم تفتح أمام القارئ نوافذ وآفاقاً جديدة للفكير والحياة، لا يُعوّل عليها.

وفي زمن استسهال وابتذال الكتابة، والجرأة على نشرها، ممن لا يملكون مقوماتها وأدواتها، يتحتم علينا تذكر دروس الرصانة العلمية والأدبية التي وضعها كبار الكُتاب، والتي تجعل القراءة أهم شروط الكتابة.

وأهمها قول الأستاذ عباس محمود العقاد: "إنه لكي يكتب جملة واحدة، كان عليه أن يُقلب ألف طن من معدن الكلام". وكذلك قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "إن المكتوب هو نتاج المقروء".

وإذا عدنا لتراثنا الأدبي العربي نجد الكثير من الشواهد الشعرية والأقوال التي تؤكد ما ذهب إليه الأستاذ العقاد والفيلسوف سارتر، وهو الرأي الذي يجعل الكتابة حصادًا للقراءة، وحصادًا لمعارف وخبرات مُكتسبة، ونتاجًا لأدوات ومهارات مُحصلة، ومرآة لعقل ونفس الكاتب.

مثل قول الشعبي: "يُعرف عقل الرجل إذا كتب وأجاب".

وقول العتبي: "عقول الناس مدونة في كتبهم".

وأخيرًا قول ابن المقفع: "كلام الرجل وافدُ عقله".

وبناء على ما سبق، يمكننا اليوم أن نعرف لماذا أصبح "أغلب" ما نقرأه على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وفي الكثير من النصوص الشعرية والأدبية الجديدة، "كتابة ميتة" لا روح ولا حياة فيها؛ ولهذا فهي لا تثير مشاعر، ولا تحرك عقلًا، ولا تقدم معرفة ، ولا تخلق وعيًا.

وفصل المقال، إن الكتابة في كل ميادينها تتأسس على الموهبة والبحث والعمل الدؤوب لامتلاك المهارات والأدوات المؤدية إلى الإجادة فيها، كما تتطلب بعد ذلك أن يكون لدى الكاتب كلام جدير بأن يُقال ويُكتب.