لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

استراتيجية ترامب الانسحابية.. الفرص والتحديات! "2"

عصام شيحة

استراتيجية ترامب الانسحابية.. الفرص والتحديات! "2"

عصام شيحة
10:02 م الثلاثاء 28 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

علي أي مقياس منطقي يمكن ملاحظة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شديد الإيمان بمبادئ التيار الانغلاقي داخل حزبه الجمهوري. وقد مارس الرجل، منذ دخوله البيت الأبيض مطلع عام 2017، كل ما من شأنه قطع أواصر بلاده مع ظاهرة العولمة التي أسهمت بلاده في شيوعها، واكتنزت بسببها مكاسب شتى، اقتصادياً وسياسياً.

ومن منطقتنا، الشرق الأوسط، يكاد النفوذ الأمريكي يرحل متجهاً صوب الصين غريمه الأول، فاتجه بقطع بحرية متعددة المهام إلي بحر الصين الجنوبي؛ ليستكمل صراعه مع التنين الصيني المنافس على صدارة الاقتصاد العالمي، وقيل في ذلك إن نفط المنطقة فقد جاذبيته في نظر القطب الأوحد، بعد أن قل الطلب الأمريكي على النفط، إلى جانب إخفاء واشنطن مئات الملايين من براميل النفط في باطن الأراضي الأمريكية. وحتى أوروبا وجدت في روسيا مُبتغاها من الطاقة، وتنتظر إعادة ضخ النفط الليبي لجودته وقربه منها وسهولة وصوله إلى شواطئها.

ولما كانت الساحة الدولية لا تعرف الفراغ أبداً، فمع الانسحاب الأمريكي، لا يثير هواجس البيت الأبيض إلا الخشية من المد الروسي الذي نجح في العودة إلى المنطقة عبر ترسيخ قدمه في سوريا، وهو الآن يمد القدم الأخرى لتطأ ليبيا.

وباستثناء بريطانيا، لا تكاد روسيا تجد رفيقاً لترامب في مجابهته لنفوذها في المنطقة، بعد أن أفسحت سياسات ترامب وحروبه التجارية موقعاً مريحاً لروسيا على أجندة الاتحاد الأوروبي، حتى لم يعد يفصل روسيا عن التحالف مع روسيا إلا حلف الأطلسي؛ بعد أن تمسكت به أوروبا وزادت من مدفوعاتها في ميزانيته لإرضاء ترامب.

وبالنظر إلى ما يعانيه الاتحاد الأوروبي من ضعف جراء الخروج الصعب لبريطانيا، بريكست، والذي كشف سوءات الكتلة، كضعف إرادتها السياسية، وفشلها في معالجة قضايا بالغة الأهمية في حياة شعوبها، مثل الهجرة غير الشرعية، فإن الساحة باتت مُهيأة لتنمية الأطماع في استعادة أمجاد تاريخية طواها الزمن منذ أمد بعيد.

من هنا لعب أردوغان على أوتار الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وأيقن أن علاقات قوية مع الدب الروسي الطامح مثله في أمجاد تاريخية في المنطقة، يمكن أن تكون ضرورة تفرضها الرغبة المشتركة في ملء الفراغ الناشئ عن اتجاه واشنطن ترامب بعيداً إلى حيث خصمها الحقيقي التنين الصيني الباحث بدوره عن أمجاد تاريخية عبر تجديد "طريق الحرير".

ولم تجد واشنطن غضاضة في مغامرات أردوغان عساه يُقلق راحة الدب الروسي في سوريا، ويعرقل خطواته في ليبيا.

علي هذا النحو، العالم من حولنا مشغول بالفعل بإعادة تشكيل المنطقة وفق شروط لا تلتزم بقواعد القطبية الأحادية التي غطت النظام العالمي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، مطلع تسعينيات القرن الماضي. والفرصة سانحة لصعود أطراف جديدة، كفاعلين جدد؛ ومن ثم فإن تغيرات جذرية في طريقها إلى التبلور في حسابات موازين القوى الإقليمية والدولية.

يترتب على ذلك أن تفقد قضية الصراع "العربي – الفلسطيني" أهميتها تدريجياً على الطاولة الأمريكية، وتكتفي واشنطن بدعمها المفتوح غير المحدود لإسرائيل دون تقديم رؤى موضوعية لحل النزاع، وهو ما تمثل بالفعل في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والإقرار بسيادة إسرائيل على المستوطنات، مع تقديم "صفقة القرن" كصيغة لا تُخفي تحيزها الواضح لإسرائيل؛ إذ تتحول الحقوق الفلسطينية إلى مجرد مزايا اقتصادية دون أمل حقيقي في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة تلبي الطموحات الفلسطينية المشروعة التي يقرها القانون الدولي والمواثيق الدولية والأممية.

في هذا الإطار، من المتوقع أن تعلو فرص الاتحاد الأوروبي، ككيان إقليمي كبير، متى نجح في لملمة خلافاته، كفاعل رئيسي في أزمات المنطقة؛ لتصعد إثر ذلك فرص التلاقي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا كوريثين طبيعيين للدور الأمريكي في المنطقة، يناوئهما في ذلك أنقرة وطهران، بأطماعهما التاريخية، بما لا يطغى على النفوذ الصيني الذي تأسس عبر عقود طويلة من التعاون مع دول المنطقة باستراتيجية تنموية لم تفسدها السياسة كما هو الحال مع الولايات المتحدة.

وإلى الأسبوع المُقبل بإذن الله.

إعلان

إعلان

إعلان