لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

البحث عن جراج

د. جمال عبد الجواد

البحث عن جراج

د. جمال عبد الجواد
08:08 م الجمعة 17 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مدن مصر تستعيد بهاءها. قد لا يعني لك هذا الكلام أي شيء، أو قد لا تصدقه كلية؛ لأن يد التطوير لم تطل بعد الشارع الذي يقع فيه بيتكم، فهناك الكثير من شوارع وأحياء مصر ما زالت على حالها؛ لأن تركة الإهمال ثقيلة، والأمر سيستغرق وقتًا حتى ينال كل شارع في مصر نصيبًا من التطوير.

لكن المؤكد أن مدن مصر تشهد تغييرًا ملحوظًا، فإما أن هناك كوبري جديدًا يوفر بعض الوقت على ركاب وسائل المواصلات العامة والخاصة؛ أو خطًا جديدًا للمواصلات العامة لم يكن موجودًا من قبل؛ أو أعمدة إنارة أضاءت شارعًا كان مظلمًا؛ أو رصفًا لشارع مليء بالحفر والمطبات؛ أو زيارات متفرقة يقوم بها عمال النظافة لشارع لم يدخلوه قبل ذلك أبدًا؛ أو ترعة تم تطهيرها، وتبطين جوانبها بالأحجار.

أماكن انتظار السيارات والجراجات هي أحدث جهود الحكومة؛ لاستعادة بهاء المدن المصرية.

لدينا قانون ينظم إنشاء الجراجات، لكن لا القانون يكفي، ولا تنفيذه يتم بجدية. يكفي أن يبني صاحب البرج الشاهق تحته بدرومًا، يستوعب دستة سيارات، مع أن لديه في البرج أكثر من 50 شقة. ويمكن لمالك البرج، لو دفع المبلغ المناسب لفاسدين في المحليات، أن يستخدم البدروم في أي نشاط تجاري مربح، دون أي اعتبار لسكان يحتاجون لمكانٍ يتركون فيه سياراتهم، أو لمارة تتعذر عليهم الحركة في شارع تحول إلى جراج كبير فوضوي.

الحكومة تعدنا ليس فقط بتعديل القانون المنظم لإنشاء الجراجات، ولكن أيضًا بتنفيذه، وسوف يكون هذا إذا حدث نقلة صغيرة مهمة في جودة الحياة في المدن المصرية. أقول إنها خطوة صغيرة؛ لأن قضية جراجات العمارات وازدحام الشوارع في مصر أكبر بكثير من مجرد جراجات تحت العمارات.

فبينما تتحدث الحكومة عن جراجات العمارات، نجد الحكومة نفسها تقيم الأكشاك ومنافذ البيع في الشوارع، فتصيبها بالازدحام والتكدس، وتتجمع حول الأسواق والأكشاك المخلفات والروائح والذباب، ويتحول شارع محترم إلى مشهد عشوائي، يجعل حكومتنا تبدو كما لو كانت يدها اليسرى لا تعرف ما تفعله يدها اليمنى.

في مشهد آخر، نجد المحلات التجارية تتكاثر تحت العمارات، بما في ذلك عمارات لم يكن بها محلات تجارية منذ البداية، ونجد مطاعم وفروع بنوك ومحلات ملابس تحت العمارة، فيما يتحول بعض شققها إلى عيادات أطباء ومكاتب محامين، ولكل هؤلاء زبائن يأتون بسياراتهم. ولأن أحدًا لم يخطط لإنشاء جراج انتظار سيارات، يترك الزبائن سياراتهم في الشارع، فيتحول إلى فوضى، وتتحول حياة السكان إلى جحيم حقيقي.

ظاهرة الحكومة التي تفسد ما فعلته الحكومة متكررة. فبعد أن تمهد الحكومة شارعًا عريضًا متسعا؛ لتمنح أهل المنطقة مشهدًا مريحًا مفرحًا، تأتي الحكومة؛ لتعطي ترخيصًا ببناء سوق تجاري كبير، أو مول به العديد من المحلات والمقاهي والمطاعم، دون أن تشترط على أصحاب المول أو السوق توفير مساحة انتظار للزبائن، فيضيق الشارع العريض بالسيارات، ويكره السكان اليوم الذي تم فيه رصف الشارع وتمهيده، بعد أن أصبح رصف الشارع سببًا في تحويل الشارع الهادئ إلى سوق تجاري صاخب.

لكثير من هذه الظواهر صلة بفساد المحليات، وبالنسبة لي فإن إحالة أكثر من 500 من مسؤولي المحليات للنيابة في قضايا تتعلق بمخالفات البناء والتراخيص، هو أهم خبر قرأته هذا الأسبوع، ولعل هذا يردع من بقي من أصحاب الضمائر التي كلما اتسعت ضاقت الشوارع علينا.

إعلان