لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من رجل ثورة إلى رجل دولة

محمد حسن الألفي

من رجل ثورة إلى رجل دولة

محمد حسن الألفي
07:11 م الثلاثاء 09 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يدهش الإنسان في أوقات المحن أن تظهر فيه قدرات لم يكن يدرى بها. هذا الطراز من الأشخاص لديه حس داخلي دائم بأنه يستطيع تغيير ظرف كارثي، اجتياز مرض داهم. تخطي جبل شاهق. حين المواجهة يكتشف هذه القدرات لدرجة أنه نفسه يندهش ويتعجب. ذلك هو المخزون، والإرث الإلهي والمكتسب.

ولا ريب أن الرجل عبد الفتاح السيسي اليوم غير الرجل عبد الفتاح السيسي قبل ست سنوات. وبالمنطق، وبالتداعي، فإن الضابط عبد الفتاح السيسي قبل الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ليس هو عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع.

ست سنوات من التحديات والمحن والمواجهات والدموع، مرت بعزيمة وقدرة ومنهج وإرادة. لم تكن جميعا قصرا على الرجل الذي أنقذ الوطن من جيوش الظلام والخيانة، بل تجلت جميعها في الشعب الواعي الرافض لسيادة الليل على النهار وشيوع الجهل وأوهام الخلافة الدموية. حين قاد عبد الفتاح السيسي البلاد نحو الحرية بثورة الثلاثين من يونيو وضع العالم تصرفاته تحت العين الفاحصة. لاحظوا الخطوات المحسوبة حين نادى الشعب، وحين طلب التفويض، والنزول للمؤازرة. فحصوا وحللوا خطابه الإعلامي. ثباته الانفعالي. لهجة التحدث. الاعتذارية الحقيقية عن تصرفات مخجلة لفئات من الدهماء حالت الظروف دون تطبيق القانون عليهم بسبب الفوضى العارمة مثل انتهاك حرمات نساء في التحرير ... التدرج في التصعيد، وفي الإجراءات. اتخاذ القرار بعد الإنذار الموجه للقوى السياسية. وضع البرادعي المتردد أمام مسئولياته. خوض المواجهة في رابعة وفي النهضة. إعلان المرحلة الانتقالية. سنة عدلي منصور الرائعة. كانت بمثابة تدريب للرئيس التالي. كان السيسي طلب إلى هذا القاضي الجليل أن يترشح. رفض. رفض بقوة. تدرب الاثنان على إدارة دولة في عنفوان العاصفة بمعاونة الأجهزة الوطنية وصبر وصلابة الشعب المصري ورفضه أن يتحول لميليشيات متنازعة متكافرة.

وأجريت الانتخابات وفاز السيسي باكتساح... كان فوزه انتصارا لثورة الشعب، اعتبرها الخونة وتركيا وقطر انقلابا. مهمة الجيش الدستورية حماية الشعب، والشعب طلب من جيشه، من أبنائه حمايته من التغول الإرهابي. طلب حفظ الدولة من السقوط. خلال بضعة أشهر اقتنع العالم أن السيسي أنقذ وطنه، وتحولت مشاعر التردد والرفض إلى مشاعر احترام ومساندة وتعاون وإنصات وتسليح وبرامج إصلاح.

لدى السيسي رؤية، ولديه حلم، وهو قارئ جيد للتاريخ، وللمشهد السياسي وما وراءه. كم المعلومات المتواتر على مدى تاريخه المهني يوفر هذه العقلية الدارسة المتأنية. بعد الانتصار على الظلاميين عبر الصندوق الانتخابي، واجه الرجل عقبة هائلة هي تراجع مكانة مصر وفقرها بسبب سياسات الإعالة الحكومية التي أخذت بها كل الأنظمة، منذ فشل الرئيس الراحل السادات في رفع جزئي للدعم، فوقعت انتفاضة ١٨ و١٩ يناير، سماها انتفاضة الحرامية.

وهكذا قرر إجراء جراحة لاستئصال ورم خبيث اسمه تراكم الدعم وأبوية الدولة، وبدأ العمل بتحرير العملة المصرية وإطلاق الاقتصاد... رغم سياط الأسعار اللاسعة وصرخات الآلام، صبر الناس لثقتهم بشرف مقاصد القيادة ورغبتها في العلاج الجذري.

مع الوقت نجحت خطة الصبر والإصلاح، وبدأنا نجنى الثمار...

وتوالت المشروعات... والإنجازات: طرق وجسور وكهرباء ومدن وأحياء كاملة للفقراء وسكان العشوائيات وبرامج علاجية كاملة... وبحر هائل من إنسانية الحاكم .

شيئا فشيئا صار الرئيس جزءا من الطمأنينة الوطنية.

ست سنوات، وفي سياق التحديات الدولية على الحدود الإستراتيجية الأربعة، وفي سياق التحديات الأمنية الداخلية وتقلبات المزاج الشعبي، فضلا عن محنة كورونا، فإنه يمكن القول بثبات وثقة إن السيسي تحول من رجل ثورة إلى رجل دولة.

إعلان