لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 "بأية حال عُدْتَ يا رمضان؟"

عبد الله رشيد

"بأية حال عُدْتَ يا رمضان؟"

عبدالله رشيد
08:49 م السبت 02 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رمضان..

بأية حال أتيتنا الآن؟

‏ لماذا يُطِّلُ علينا هلالك وقد استقرت الأحزان والحيرة في عيوننا؟.. ولياليك لم تَعُد كما كانت ليالي الأُنس والفرح؟.. لماذا يُطِّلُ علينا نهارك والخوف يحيط بنا كالهواء ويلاحقنا كالظل؟..

‏في عيوننا حيرة.. وفي أعماق نفوسنا ألف سؤال وسؤال..

ورغم جمال قدومك وروعة نور اسمك، فإن أفعالنا وذنوبنا وخطايانا أحالت نهارنا إلى ما يشبه الليل الحالك..

‏لماذا أتيتنا يا رمضان ونحن حيارى، تائهين، ضائعين، مشتتين، ومشوشي النفوس والأفكار؟.. نقف أمام مفترق الطرق، نسير بخيالنا للماضي الدفين وللأيام الخوالي، ولسان حالنا يهمس بداخلنا: ألم يكُن رمضان شهرًا ننتظره بفارغ الصبر؟!.. ما باله هذه المرة يأتي وقد تحول شوقنا لهُ إلى دموع وآلام وأحزان؟!.. ما باله يأتي وأشواقنا صارت كزهرةٍ حزينةٍ في آنية؟!

رمضان..

بأية حال أتيتنا الآن؟

‏لماذا أتيتنا وفي الصدر غُصَّة؟.. في عيوننا دموع حائرة، ‏وفي القلب ألمٌ وشجَنٌ وهمٌ ثقيل.. في النفس بكاء وأنين.. في نظراتنا حيرة وعُزْلَةٌ وتيهٌ وضياعْ.. في كلماتنا خوف وفوق ألسنتنا سؤال حائر.. في كلماتنا شجون ونحيب.. وفي أنفاسنا شهيق وزفير يحمل بين خيوطه صوتا يقفز من أعماق أعماق الخاطر: كيف نستقبلك يا رمضان؟.. فنحن عاجزون أن نوفيك حقك بالعبادة والخشوع... لقد أغلقنا بيوت الله التي كنت تلحفنا فيها بمحبة الله وذكره وبالملائكة المسومين.. لقد أصبحنا يا شهر الخير عاجزين عن الخشوع في بيوت الله..

رمضان...

بأية حال عُدْت إلينا الآن؟

وهذه الدروب تشهد تاريخ لقاءاتنا بأيامك ولياليك، وتشهدُ ذكرياتنا وعشقنا لك ولأيامك ولياليك؟.. لمجالسك وسهراتك وسوالفك وأحاديثك.. لنهارك الطويل ومسائك الذي كان يمنحنا حضنًا دافئًا ودعاءً نافعا وجمالًا بلا حدود.. لسماع صوت الأذان..

لمن نشتكي ونبث أحزاننا يا رمضان، وقد صارت معاصينا كقِطَع الليل المظلمة؟.. هل جئتنا لتُعرينا أمام أنفسنا؟.. لترينا كم ابتعدنا عن الله فابتعد الله عنَّا؟.. لتشهد أننا قطعنا النخل من جذوره لنزرع مكانه أصناما للمغنين والمغنيات والراقصين والراقصات والفاسدين والفاسدات؟!

رمضان..

بأية حال عُدْتَ يا رمضان؟

هل جئتنا لتذكرنا بالأطلال؟.. بذكرياتك المحفورة في نفوسنا ردحًا من الزمان؟.. بنفوس زائلة متهالكة ممزقة وبقايا بشر يرحلون نحو المجهول؟.. لتذكرنا بخوفنا ورعبنا وتشتتنا وهلعنا؟!.. بأحلامنا الضائعة بين الأيام والشهور؟.. أم لتوقِظنا من غفوتنا ومن سباتنا العميق؟.. هل جئتنا يا رمضان لتشهد أننا أصبحنا في بيوتنا محاصرين بالخوف والأحزان؟!.. وأن الدمع في مدننا أكبر من مساحة الأجفان

‏رمضان..

بأية حال أتيتنا الآن؟

‏هل جئتنا لتذكرنا، أم لتحرمنا من موائد أمهاتنا؟.. هل لتزيدنا شوقًا ولهفة للقمة العيش وصحن الهريس ومَلَّةِ الثريد وحبة اللُّقيْمَاتْ؟.. لترسم في أذهاننا لوحة المائدة الرمضانية التي كانت تجمعنا، وتلمُ حولها الأسرة والعائلة والأهل وحتى الجيران؟.. لتدير في أذهاننا ذكريات الأب والأم والأخ الذي يحضن أخاه، والأخت التي تضع اللقمة في فم أختها الصغيرة؟.. الجد والجدة والعم والخال؟!... أين اختفى كل هؤلاء يا رمضان؟.. أين؟.. بالله عليك يا رمضان قل لنا أين اختفوا؟

‏رمضان...

بأية حال أتيتنا الآن؟

نحن- البشر- لم، ولن نتعلم من التاريخ.. ربما نعرف تاريخ الزلازل، ولكننا بالتأكيد لا نعرف زلازل التاريخ.. تعالينا في الأرض علواً كبيرا حتى ظننا أنا خرقنا الأرض وبلغنا الجبال طولًا!.. هل جئتنا يا رمضان لتشمت فينا؟.. لتكشفنا وتُعَرينا أمام أنفسنا؟.. ها نحن اليوم أضعف من أضعف مخلوقات الله.. فيروس لا يُرى بالعين المجردة ألصقنا بالأرض وبثَّ فينا الرُّعبَ وذكرنا بأننا لن نمشي الخُيلاء ولن نمشي في الأرض مرحاً.. ولن نسير في الهواء رويدًا.. فقد أسقط الفيروس كبرياءنا وجبروتنا وعنجهيتنا.. أسقط هيبتنا وسطوتنا وأظهرنا على حقيقتنا أمام أنفسنا.

‏رمضان...

‏بأية حال أتيتنا الآن؟

نحن لم نعُد كما كُنَا، وكما تعودت علينا في السنين الماضية يا رمضان.. فقد أغلقنا مساجدنا وقراءة القرآن وذكر الله.. لم نعد نُصلِّي الجماعة ولا الجُمعة ولا التراويح يا رمضان.. وربما لن نُصلِّي صلاة العيد.. لم نعُد تعتكف في بيوت أذن الله تُرفع ويُذكَرُ فيها اسمه.. أغلقنا بيوت الله فأغلق اللّه كل باب أمامنا.. تأتينا يا رمضان ونحن نخجل أن نقول لك إن مساجدنا غاضبة علينا فأقفلت أبوابها في وجوهنا.. نخجل أن نقول لك إننا هجرنا الدين والقرآن وإننا ننام في بيوتنا خوفا من الفيروس كالفئران.. نخجل يا رمضان أن نقول لك إننا تجاهلنا تحذير الخالق (عز، وجل) فأصبحنا ممن قال الله عنهم في محكم تنزيله:

‏"وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" الحشر (19).

بأية حال عُدْتَ إلينا يا رمضان؟

‏لتصفعنا فوق وجوهنا؟.. لتكشفنا أمام أنفسنا؟.. لكي تُعرينا حتى من ورق التوت؟.. لترينا آيات الله وخلقه في نفوسنا؟.. لتُرِيَنا قُبحنا في سوء سلوكنا؟.. لتجعل الدموع تسيل فوق خدودنا؟.. لتذكرنا باستهتارنا وسذاجتنا وتفاهتنا؟.. بضعفنا وهشاشتنا وسذاجتنا وسطحيتنا؟.. لتقول لنا إننا لا نستحق هذه الحياة وإن احترام السماء لنا يلفظ أنفاسه الأخيرة؟.. هل تذكرنا يا رمضان بقول الحق (تبارك، وتعالى): "

وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم" محمد (38).

‏رمضان...

‏بأية حال أتيتنا هذه المرة؟

‏نحن- البشر- لسنا كما تظننا.. خذلناك لأننا نقتل، ونسفك الدماء، ونأكل بعضنا بعضًا.. أبناؤنا يعرفون المنحرفين والساقطين، ولا يعرفون حتى أنبياء الله.. ربما أصبحنا نحن وأنت يا رمضان غُرباء عن بعضنا لأننا تَكَبَّرْنا، وتجبرنا وتمادينا في غينا وظلمنا وجبروتنا.. لأن بيننا الفقير والمُعدم والجائع والعطشان والعريان ونرمي أطنانا من الخيرات في القمامة.. ربما لن تجدنا أهلًا للاحترام؛ لأننا نسينا قول الله (تبارك، وتعالى):

"وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" النحل (18).

آهٍ يا رمضانُ.. آهٍ وألفُ آهٍ.. اعذرنا؛ نحن لا نستحقك.. فارحل سريعا كما أتيتنا تمشي على استحياء حزينا.

إعلان