لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الفتوحات الإسلامية! هل كانت سيفًا لنشر الإسلام؟

الشيخ أحمد تركي

الفتوحات الإسلامية! هل كانت سيفًا لنشر الإسلام؟

الشيخ أحمد تركي
08:55 م الأربعاء 13 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الشيخ أحمد تركي

تلقيت هذا السؤال من بعض الشباب أثناء حوار ديني علمي في بعض جامعاتنا العريقة.

وهذا الموضوع يعد محورًا خطيرًا عند الجماعات الإسلامية المتطرفة، حيث يعتبرون السيف هو الوسيلة الأولي والأخيرة؛ لنشر الإسلام وإلزام الناس بتعاليمه، فالسيف عندهم قبل الدعوة.

والقتل كما يزعمون وسيلة لإقامة الخلافة الإسلامية، ولا يمكن أن يعيش المسلم دينه طائعًا لله إلا في دولة الخلافة. أما دون ذلك فالمسلمون جميعًا كفرة ومجتمعاتهم جاهلة حتى وإن صلوا وصاموا وأقاموا شعائر الإسلام.

هذا الفكر يبشر به كهنة الجماعات الإسلامية المتطرفة ويجندون من خلاله العديد من الشباب للالتحاق بركب التطرّف ثم الإرهاب!!

وهذا يفسر ظاهرة التحاق الشباب المسلم من أوروبا وأيضًا من عدة دول عربية بالتنظيم الإرهابي داعش!!، ومن قبل بشّر بهذا الفكر أيضًا سيد قطب في عدة كتب له بل هو المهندس الكبير لفكر الإرهاب في القرن العشرين!!.

وهذا السؤال أيضًا يتردد كثيرًا على ألسنة المشككين في الإسلام كدين حضاري إنساني يقود الإنسان من روحه وضميره وقلبه إلى أسمى القيم الاجتماعية والإنسانية لصناعة جوٍ عالمي من السلام عند الإنسان بينه وبين نفسه وبينه وبين ربه وبينه وبين الناس وبينه وبين الكون.

وأسفنا أن الإسلام دين المحجة البيضاء ظُلْم كثيرًا عبر التاريخ بإشاعة الأباطيل عنه من قبل أبنائه الجهلاء وأعدائه الخبثاء.

إن الإسلام ليس هو الدين الذي يحتاج إلى العنف كي يفرض تعاليمه على الناس؛ لأنه دينٌ أساسه الرحمة والعلم والحضارة والعمل الصالح والتعمير، يخاطب العقل حتى ينبهر بجلال الله، ويخاطب الفطرة حتى تشاهد آثار جمال الله، إنه الدين الذي يجد طريقه ميسرًا إلى القلوب، ممهدًا إلى أولي الألباب.

فالتوحيد، والأخلاق السمحة، والعبادات الزكية، والمعاملات الحسنة، والأحكام العادلة، كل ذلك ما يحتاج إلا إلى الدعوة الهادئة والإقناع المجرد؛ قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].

ويبين القرآن الكريم أن الرسالات السابقة من رسالة نوح – عليه السلام – إلى رسالة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وسلم)، لم تنتشر إلا بالدعوة، وعدم الإكراه؛ قال تعالى على لسان سيدنا نوح: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [هود:28]؛ وقال عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99].

وعندما تتدبر آيات الدعوة التي شرحت وظيفة الرسالة، نجد هذا المعنى قائم، قال تعالى: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) [الطور:29]، وقال سبحانه: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية:21،22]، وقال جل وعلا: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام:104]، ووجه ربنا سبحانه إلى مدى حرية الاعتقاد والإيمان، فقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29].

وبالتالي: ما يطلبه الإسلام هو داعية ناجح، يحسن عرض الإسلام على العباد.

أما موضوع الفتوحات الإسلامية:

فدعوة الإسلام الناس كانت واضحة، يقال فيها: عندنا دين صحيح لا زيف فيه، صادق لا كذب فيه، واضح لا غموض فيه، خير لا شر فيه، نعرضه عليك، فإن قبلته قبلته!، وتكون مسلمًا لله تعالى، وإن رفضته، فهذا لك، بشرط أن تدع المسلمين يشرحون لغيرك ويبينون للناس، فإذا قال: (أدعوا من تريدون وأنا لا أصدكم عن دعوتكم، فهذا حسن).

أما من منع عرض الإسلام على الناس، فهذا هو المقصود بالقتال في الفتوحات الإسلامية، منابذة من يصد عن الدعوة لله عزوجل، ومقاتلة من يمنع وصول الرسالة للناس.

فالنظر إذا إلى الفتوحات الإسلامية على أنها قتال! ظلم ووهم كبير!.

الفتوحات الإسلامية في تاريخنا النظيف هي الدعوة، ومعاملة الناس بأخلاق الإسلام.

فقد بعث رسول الله برسائله إلى ملوك ورؤساء العالم – كسرى، وقيصر، والنجاشي، وغيرهم – يدعوهم إلى الإسلام، ويمررون الدعوة إلى شعوبهم، وهذه الرسائل ليس فيها تهديد بالقتل إن أعرضوا عن الإسلام. إنما كلها دعوة وسلام. وجاء فيها: أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فعليك إثم (المجوس لكسري أو الروم لهرقل أو الآريسيين للمقوقس عظيم القبط والآريوسيون نسبة إلى آريوس. وهو كاهن قبطي).

والمقصود بقوله -صلى الله عليه وسلم- "أسلم تسلم". يعني تسلم من ضيق الدنيا وعذاب الآخرة وليس المقصود منها تسلم من القتل. كما يروج البعض!؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقاتل إلا الروم في موقعتين. مؤتة وتبوك. وكان للدفاع عن المدينة المنورة لوقف زحف الروم إليها. حيث كانوا يريدون ذلك.

وكانت هذه الرسائل أيضًا واضحة في إنهم إن رفضوا الإسلام فليسمحوا بعرضه على أقوامهم، فمن شاء منهم أن يؤمن ومن شاء ظل على عقيدته بكل حرية!.

غير أن هؤلاء الملوك كانوا يعتبرون أقوامهم عبيدًا ومن حقهم أن يفرضوا دينًا وعقيدة معينة على الناس دون سواها.

ورفض أكثر هؤلاء الملوك أن تمرر الدعوة إلى الشعوب، فكانت الفتوحات الإسلامية، لإقصاء هؤلاء الجبارين، ثم عرض الإسلام على الشعوب، وهنا يتم تطبيق الآية الكريمة: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29].

فالفتوحات الإسلامية كان فيها حروب للمسلمين في فترة تاريخية، حيث كان حكام الشعوب يمنعون عرض الإسلام على شعوبهم بالقوة، ويفرضون عليهم عبادة أنفسهم، أو معبودٍ غيرهم!.

إن الفتوحات الإسلامية لم توجه ضد الشعوب، أو عامة الأفراد، وإنما ضد من منعوا عرض الإسلام، ووقفوا في طريق هداية الناس.

أما اليوم فلا يوجد أي عارض في أي مكان بالعالم يمنع من عرض القرآن ونشر الإسلام بين الناس، ففي كل بلاد الدنيا توجد المساجد، وتقام الشعائر الدينية بكل حرية!؛ وبناء على القاعدة الأصولية التي تقول: (العلة تدور مع الحكم وجوبًا وعدمًا)، فإن قضية القتال في الفتوحات الإسلامية باتت أحكامًا تاريخية، كالكثير من الأحكام مثل: نكاح ملك اليمين ومكاتبة العبد لسيده حتى يتحرر من عبوديته إشارة إلى قوله تعالى: "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا"، [النور:٣٣]!.

ومما يؤكد هذه الحقائق، وأن انتشار الإسلام كان بالدعوة وليس بالسيف، انتشاره في جنوب وشرق آسيا، دون وصول جيوش العرب والمسلمين إلى هذه المناطق (ماليزيا، وأندونيسيا، وغيرها من البلدان...)، ودخل الناس في الإسلام تأثرًا بالمعاملة الطيبة لتجار المسلمين، كذلك نجد انتشار الإسلام في إسبانيا، كما يذكر –جوستاف لوبون– في كتابه "حضارة العرب".

فالحقيقة التاريخية تؤكد أن انتشار الإسلام في الأماكن التي دخلتها الجيوش العربية والإسلامية، كانت وفق معدلات متناسبة تمامًا من الناحيتين (الكمية، والكيفية) مع التطور الطبيعي لحركة الدعوة الإسلامية عبر التاريخ.

فَلَو كان السيف هو الفاعل لنشر الإسلام لدخل الناس في الدين نفاقًا من أول يوم!.

ولكن مليارًا ونصف المليار من المسلمين اليوم هم نتاج الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فقط دون إكراه.

وإليكم الجدول التالي، وهو نتاج دراسة مهمة جداً توضح بوثوق شديد خط انتشار الإسلام في بعض الدول التي دخلتها الجيوش العربية والإسلامية، حيث تم تسويق ذلك على إنه احتلال قام به المسلمون؛ لنشر دينهم ونهب ثروات تلك البلدان!.

وهذه أكذوبة من أكبر الأكاذيب والأباطيل التي تم ترويجها عن الإسلام في تاريخه!.

فمن خلال ما سبق يرفض الإسلام هذا الأسلوب ويواجه من يمارسه. والتاريخ يؤكد هذه الحقيقة من خلال تلك الدراسة.

123

قام بهذه الدراسة الباحث الأمريكي – ريتشارد بيليوت – عام 1979 م.

إن هذا الجدول يُبين بوضوح أن جيوش المسلمين ما كانت مهمتها احتلال الدول على غرار احتلال الاستعمار لبلادنا في القرون الماضية!.

ولم تكن تقاتل الشعوب أصلاً. إنما كانت تقاتل من مارس حجرًا على عقائد الناس واستعبدهم وقال لهم أنا ربكم الأعلى. إنها كانت؛ لتحرير الشعوب وتأمين الناس على عقائدهم وحياتهم. وليس لقهر الشعوب واستغلالهم.

والدليل على ذلك الآتي:

1- المسلمون لم يقتلوا الشعوب ولم يبيدوهم، كما حدث في كثير من الدول التي قامت على أنقاض شعوب وحضارات أخرى، وقُتل الملايين من البشر ظلمًا وعدوانًا، بل شارك المسلمون الناس لإنشاء حياة كلها سلام ورحمة.

2- المسلمون جعلوا بعض عبيدهم حكامًا، مثل: الظاهر بيبرس، وقطز، وغيرهم.

3- لم يعرف تاريخ المسلمين محاكم تفتيش عن العقيدة، كما حدث في الغرب، وفي الأندلس بعد سقوطها.

4- تمتع أهل الأديان الأخرى تحت حكم المسلمين، وفي ظل راية الإسلام، بشهادة المؤرخين الغربيين، بحقوق لم يأخذوها وهم تحت سيطرة أمثالهم.

بل وشارك المسلمون في بناء كنيسة العذراء بالفسطاط كما شارك الأقباط المسلمون في بناء جامع عمرو بن العاص.

وعندما دخل المسلمون القدس. استأمن المسيحيون المسلمين على مفاتيح كنيسة القيامة حيث تسلمتها عائلتان مسلمتان (نسيبة وجودة) ولا تزال مفاتيح كنيسة القيامة. مع هاتين العائلتين في القدس حتى اليوم!.

5- تزاوج المسلمون مع أهل تلك البلاد، وبنوا أسرًا وعائلات على مر التاريخ.

وظل إقليم الحجاز –مهد الدعوة الإسلامية– فقيرًا إلى عصر ظهور البترول في القرن الماضي ولو كان الإسلام مثل غيره يعتمد على القوة سبيلاً للسيطرة والهيمنة، لجلب المسلمين ثروات العالم ليغنوا بها أهل مكة والمدينة، سكان الحرمين الشريفين!.

ونخلص من هذا كله إلى أن الفتوحات الإسلامية ليست هي الجيوش التي تحركت نحو البلدان!.

وإنما هي دعوة الناس إلى دين الله، وهذه الجيوش لم تكن؛ لنشر الإسلام وفرضه على الآخرين، وإنما كانت في فترة تاريخية لإذهاب من يعترض دعوة الإسلام، ويمنع وصولها لباقي الأفراد؛ أما وقد وجدت الوسائل الحديثة للوصول إلى الشعوب، ودعوة الأفراد إلى الإسلام بطرق مختلفة، فإن ذلك يعد من الأحكام التاريخية التي انتفت لانتفاء علتها!.

فأين إذًا جهود المسلمين لعرض الإسلام على أمم العالمين؟!.

هذا السؤال محرج ومؤلم جدًا، لكننا لا بد أن نواجه أنفسنا بالحقيقة.

ولن نستطيع أن نصحح صورتنا ولا صورة الإسلام إلا إذا صححنا أوضاعنا في كل الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والعلمية.. إلخ. والله أعلم!.

إعلان