لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأطباء يواجهون كورونا والتحريض .. الهاشتاج وحده لا يكفي !

أحمد الشيخ

الأطباء يواجهون كورونا والتحريض .. الهاشتاج وحده لا يكفي !

أحمد الشيخ

Twitter: ael_sheikh

صحفي وباحث متخصص في الإعلام الرقمي وحاصل على درجة الماجستير في علوم وسائل التواصل الاجتماعي من جامعة ويستمنستر في لندن

 

 

10:27 م السبت 11 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

على المنصات الإعلامية فيديو لممرض سعودي يتجنب معانقة ابنه خوفا من أن ينقل له فيروس كورونا، انتشر هذا الفيديو في مشارق الانترنت ومغاربه، ورأت الوسائل الإعلامية في هذا المقطع مشهدا إنسانيا ودليلا على تضحيات الطواقم الطبية، ولكني رأيته أحد احتمالين، قد يكون مشهدا تمثيليا مضللا أو موقفا حقيقيا ينذر بكارثة. وفي الحالتين هو يمثل خطرا لأنه يوحي للمشاهد بأن الممرض وزملاءه من عناصر الطواقم الطبية عبارة عن بؤر متنقلة لفيروس كورونا بدليل أن صاحب الفيديو لا يستطيع أن يعيش حياته الأسرية بالشكل المعتاد.

يتساءل مشاهد الفيديو لماذا يظهر الممرض مرتديا زي العمل عند وصوله للمنزل، بينما من الطبيعي أن يكون بدل ملابسه قبل أن يغادر المستشفى ؟! وعندما يتأثر الممرض بالموقف لماذا يضع يديه على وجهه بالمخالفة للنصائح الطبية الأساسية لتجنب كورونا ؟! وهل يقدم الممرض نموذجا لإجراءات الوقاية من المرض ؟ أم أنه يرتكب أخطاء من شأنها تقويض الثقة في طواقم التمريض بالسعودية ؟

صحيفة عكاظ السعودية أجرت حوارا مع صاحب المشهد واسمه ناصر الشهراني، وربما أرادت أن تنفي الانطباع المضلل والخطير الذي قدمه الفيديو عن الممرضين في السعودية. فقال الممرض إنه أراد من نشر الفيديو أن يلفت نظر الطواقم الطبية إلى أهمية اتخاذ الإجراءات المناسبة قبل أن يعودوا إلى منازلهم وأثنى بشكل مباشر على مهارات الأطقم الطبية السعودية وأشاد بالجهود الرسمية في مكافحة الفيروس.

هذا التوضيح دليل على أن أن هناك آخرين أدركوا أن الفيديو قدم رسائل مضللة وناقصة، ولذلك كانت هناك الحاجة لتوضيحها واستكمالها في مقابلة. وكنت أتمنى أن يقول الممرض إن هذا المشهد كان تمثيليا وإن الملاحظات السابقة كانت فقط ناجمة عن رداءة الإنتاج، ولكنه - للأسف- قال إن المشهد كان عفويا (!) ورغم أنه قال إنه يتخذ كل الإجراءات التي تضمن حماية أسرته فالصورة لا تقول ذلك بل إنها تشكك في كفاءته. ربما يكون الممرض صادقا ويحرص على اتخاذ إجراءات الوقاية - ولكنه لم يحسن تقديم ذلك في الفيديو- ولكن تصريحاته تضاربت مع الفيديو وهذا قوض فرصته في إقناعنا. وهذا يضع أعباء على وزارة الصحة السعودية كي تثبت أن كوادرها مؤهلة بشكل مناسب وإنهم ملتزمون بإجراءات الوقاية وإن الفيديو لا يعبر عن الحقيقة.

هذا الفيديو نموذج للمواد الإعلامية المتضاربة والناقصة التي تثير الأزمات، وربما كانت مواد مشابهة من بين الأسباب وراء المواقف العصيبة التي عاشها أطباء في مصر خلال الأيام الماضية. بالطبع ليست المواد الإعلامية السبب الوحيد ولكنها من بين الأسباب التي أدت إلى شكاوى أطباء من نبذهم من جيرانهم وواقعتي محاولة منع دفن جثتين لمتوفيين بفيروس كورونا.

ففي قرية بولس بمحافظة البحيرة، اشتبك محتجون مع الشرطة وحاولوا منع دفن جثة متوف. وتقول الرواية الأكثر انتشارا بين الأهالي إن الفيروس انتقل إلى المتوفي من ابنه الطبيب وإن الابن كان حاضرا مراسم الجنازة في القرية. يصدق الأهالي هذه التفاصيل المتناقضة وينسجون من خيالهم تطورات تشمل نقل الجثة المرض في القرية.

ومعظم وسائل الإعلام نقلت الرواية عن الأهالي دون تحقيق، ولكن موقعا الكترونيا نقل عن مسؤول في مديرية الصحة قوله إن الطبيب سيتم عزله بسبب مخالطته والده المصاب، وهذا يعني أن هناك حاجة للتحقق مما إذا كان الطبيب نقل فعلا المرض لوالده أم أن هذه الرواية كانت خيالية.

وفي قرية شبرا البهو بمحافظة الدقهلية، كان المحتجون غاضبين من تداعيات دفن جثمان طبيبة توفيت بفيروس كورونا. والرواية الأكثر انتشارا تقول إن الطبيبة أصيبت خلال عملها في مستشفى مخصص لعزل المصابين، بينما رواية الأهالي تقول إن الطبيبة (٦٤ عاما) تجاوزت سن التقاعد ولم تكن عاملة في مصر وإنما أصيبت بالمرض خلال تواجدها بالخارج.

مرة أخرى، الطبيب متهم لأن هناك رواية تقول إنه أصيب بالمرض بينما لا توجد رواية رسمية حاسمة. وفي ظل نقص المعلومات يعلو صوت التحريض وتكتسب الشائعات مصداقية غير مستحقة ولا يفهم المواطن العادي أن الجثة لا تنقل الفيروس وجاره الطبيب هو صمام الأمان وليس ثغرة تسلل الفيروس.

وحتى لو أصيب الطبيب بالمرض فهذا لا يعني بالضرورة أنه مهمل. فالأطباء يصابون ويموتون في بريطانيا رغم الإجراءات الوقائية الصارمة، وخلال الأسبوع الأول من أبريل كان مائة ألف عنصر من الطواقم الطبية يخضعون للعزل بسبب الاشتباه بإصابتهم بفيروس كورونا، وكان إجراء العزل هو الحل لعدم إمكانية إجراء تحاليل عليهم بسبب إعطاء الأولوية للمرضى وليس للطواقم الطبية.

في بريطانيا أيضا صورت ممرضة مقطع فيديو وظهرت فيه تبكي وتقول إنها أنهت نوبة عملها ثم توجهت للمتجر لتجد أن كل أنواع الطعام نفدت. وتناقل الصحفيون المقطع وسألوا وزير الصحة وكبار السياسيين خلال المؤتمر الصحفي اليومي. فنسقت الحكومة بدورها مع المتاجر الكبرى وخصصت الساعة الأولى بعد فتح الأبواب لأعضاء الطواقم الطبية.

وفي اليوم الأول لتنفيذ هذا القرار، استقبل متجر في ايرلندا الشمالية أعضاء الطواقم الطبية بالورود والتصفيق وترديد عبارات الشكر في المذياع الداخلي. وهناك مبادرات كثيرة لشركات بريطانية تتنافس في دعم العاملين في القطاع الصحي العام منها تقديم رحلات مجانية من شركة أوبر، ووجبات طعام وإعفاءات من رسوم مختلفة. وتهدف هذه المبادرات إلى الدعم المعنوي للطواقم الطبية والتكفل بإزاحة أي عقبات قد تشغل تفكيرهم وتعرقل عملهم. الفيديو الذي نشرته الممرضة البريطانية حقق التأثير لأنه تحول من مجرد نشاط إلكتروني إلى سياسة حكومية وقرارات حاسمة.

في مصر، هناك محاولات لتكريم الأطباء وتشجيعهم عبر استخدام هاشتاج #الجيش_الأبيض، ولكن هذا الهاشتاج لم ينل بعد الدعم الكافي من الحكومة والقطاع الخاص وبالتالي مازال أسير الفضاء الإلكتروني. أما التحريض ضد الأطباء في واقعة شبرا البهو مثلا فتحول إلى نشاط على الأرض يشمل الحشد والتظاهر، وبالتالي فإن التحريض ضد الأطباء أعلى صوتا من هاشتاج الدعم.

****

للتواصل مع الكاتب Twitter @ael_sheikh

إعلان