لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أبدا نادرا أحياناً دائماً.. قضايا المرأة والبرليناله

د. أمــل الجمل

أبدا نادرا أحياناً دائماً.. قضايا المرأة والبرليناله

د. أمل الجمل
09:01 م الثلاثاء 25 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هنا، في برلين هذه الدورة نجد الطقس ليس في برودة الأعوام السابقة التي كانت تهبط فيها درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر بدرجتين أو ثلاث. هذا العام لم تنخفض الحرارة عن ثماني درجات. السماء ممطرة أغلب الأيام، الشمس تظهر على استحياء أو مثل إضاءة الثلاجة كما يصفها البعض، البرودة محتملة باستثناء يومين كان الهواء شديداً عنيفاً فمنحنا شعوراً بمزيد من البرودة أقوى من الحقيقي.

رغم هذا الطقس الجيد نوعاً - مقارنة بالماضي - ورغم التكريمات والأضواء، وتصفيق الجمهور بعد انتهاء بعض الأفلام، لكن يظل شعورٌ ما يشي بأن تلك الدورة تفتقد روحها لشيء ما. ربما هي لمسات ووجود ديتر كوسليك الذي ظل مديرا فنيا للبرليناله قرابة عقدين من الزمان، والذي كنا نراه كثيراً متجولا بحيوية الشباب وألقهم في الطرقات، أو في الشارع أمام قصر البرليناله، أو أمام عربة الطعام حيث يقف يأكل "ساندويتش" بتلذذ، فيشجع الآخرين ويطمئنهم، أو يتصادف أن يمر إلى جوارنا ونحن ندخل من باب فندق جراند حياة مقر المركز الصحفي فيُلقي التحية بود شديد مبتسما بحيوية واضحة.

دورة بين العنف الواقعي والسينمائي

لا شك أن هناك تغييرات كثيرة تُلقي بظلالها، فعدد من الصالات التي كانت قريبة وتوفر للصحفيين والنقاد وقتهم لتحقيق مزيد من المشاهدة فجأة أُغلقت، واستُبدلت بها صالات عرض أخرى بعيدة، حتى تصميم وإخراج المطبوعات التي تضمن برنامج ومواعيد العروض مصمم هذا العام بشكل مزعج، وينقصه أشياء من احترافية الأعوام السابقة، حتى الـapps التي كانت مصممة بطريقة مريحة ومساعدة للنقاد لأنها تتضمن أسماء الأفلام، وأمام كل فيلم مواعيد جميع العروض، كذلك لو رغبت في معرفة إنتاج كل دولة، لو أردت البحث بأسماء المخرجين. هذا العام تم إلغاء هذا التطبيق، بحجة أنهم يريدون للبرنامج والموقع أن يكون متاحا أمام الجميع، والحقيقة أن التبرير غير مقنع لأن الموقع كان منذ البداية متاحا للجميع، هم فقط ألغوا ذلك التطبيق الذي كان يسهل مهامنا بتصميمه القديم.

أضف إلى ذلك أن المهرجان بينما يكاد يقترب من منتصف فعالياته فجأة يعتذر صاحب «حمامة تجلس على الغصن تتأمل الوجود» و«عن الأبدية» الذين اقتنصا جوائز الأسد الذهبي في فينيسيا على أعوام متفاوتة. إنه المخرج السويدي روي أندرسون الذي اعتذر عن عدم الحضور إلى مهرجان برلين أو المشاركة بمحاورته في قسم «المخرجين السبعة»، وذلك بسبب مشاكل صحية جعلت السفر صعباً عليه. وعوضاً من ذلك، سيكون المنتج يوهان كارلسون - وهو منتج ومتعاون مع أندرسون منذ فترة طويلة - هو أحد أطراف المحاورة، بالاشتراك مع نيكي لندروث فون بار حول أوجه التشابه والاختلاف في الطموحات وأسلوب العمل بينه وبين روي أندرسون.

كذلك، وقع حادث آخر، أمس الاثنين، بوسط ألمانيا. كان الناس يحتفلون بـ«اثنين الورود»، لكن الورود صارت ملطخة بدماء الضحايا. اقتحمت سيارة احتفالا كرنفاليا بمدينة فولكمارسن، بوسط ألمانيا، متسببة في سقوط العديد من الجرحى». هذا بعد أربعة أيام فقط من واقعة الحادث العنصري الذي ألقى بظلال من الحزن على حفل افتتاح البرليناله السبعين.

الأفلام المبرمجة ذاتها في عدد كبير منها مزيد من العنف؛ عنف الحروب «الأرض المرتفعة» نموذجاً، وعنف المجتمع «الاختفاء بعيدا» أو عنف النظام المسيطر كما بأفلام «ديليت هيستوري» أو «البقرة الأولى»، أو عنف ضد المرأة، كما في «أوندينا» و«أبدا نادرا أحيانا دائما» والفيلم الأخير عن المرأة بإبداع المرأة. إنه ضمن نسبة الـ ٣٧٪ المصنوعة بأيادي النساء من بين ٣٤٠ فيلماً تشارك هذا العام في الدورة السبعين من البرليناله الممتدة بين ٢٠ فبراير إلى ١ مارس القادم.

عن العنوان

يُعد فيلم «أبدا نادرا أحيانا دائما» - كتبت له السيناريو وقامت بإخراجه إلزا هيتمان - أحد ستة أفلام جاءت بتوقيع المرأة - منها «البقرة الأولى» و«طرق لم تُطرق» - والتي تنافس على الدب الذهبي من بين ١٨ فيلماً بالمسابقة الرسمية.

تدور الأحداث حول الفتاة أوتومن البالغة ١٧ عاماً، لا تزال تدرس، تغني، وتعمل في الخزينة بسوبر ماركت، كدوام جزئي. لكنها تكتشف فجأة أنها حامل في ١٨ شهرا. إنها تعيش في بيئة ريفية فقيرة نوعاً ما، وهادئة، تنتمي للطبقة العاملة في ولاية بنسلفانيا. تتخذ قراراً بالإجهاض؛ لأنها تدرك أنها غير مهيأة مادياً أو نفسياً لأن تكون أما، خصوصاً في ظل أحوال أسرتها. لا نعرف من هو والد الجنين، أو من الفاعل. ليس هذا مهماً.

لا تخبر الفتاة أسرتها، وابنة عمتها سكايلار تدعمها، وتقف إلى جوارها في مأزقها. يسافران عبر خطوط الولاية إلى مدينة نيويورك. الشريط به مشاهد مرسوم بدقة عالية من الناحية العاطفية والشعورية والتضامن النسائي.

أما عنوان الفيلم، فمستمد من لقطة نسوية تفجر قضية المرأة بامتياز، فقبل إجراء عملية الإجهاض تسألها الطبيبة مجموعة أسئلة شديدة الخصوصية عن علاقتها الخاصة الحميمة بشريكها، أو إذا كان هناك شركاء، على أن تكون الإجابة بأحد الخيارات الأربعة؛ أبدا، نادرا، أحياناً، دائماً. ومن هذه التساؤلات؛ هل هناك عنف ضدها؟ هل تتم علاقة الحب رغمًا عنها؟

نموذج لمأساة النساء

هناك أسئلة أخرى، لكن عقب هذين السؤالين تصمت الفتاة. لا تجيب. فقط تصمت طويلًا محاولة منع دموعها التي تكشفها في النهاية. وسيكون هذا العنوان وتلك الردود اعترافاً بالغربة والاغتراب، وفي نفس الوقت مفجراً قضية نسوية متكررة خصوصا في المجتمعات الفقيرة.

من هنا تتجسد أهمية وخطورة هذا الفيلم البسيط الناعم والذي يجعلنا نظل صامتين غارقين مع بطلتيه، فهو يقول همساً وإن بوضوح شديد إن مأساة هذه الفتاة الشابة، التي تجسد نموذجا لملايين الفتيات ستظل ما بقي الفقر معششاً في المجتمعات، وما ظل الخوف من فقدان الوظيفة يحاصر النساء، وما بقي العنف المجتمعي واختفي التضامن مع المرأة. يتأكد هذا بلقطات تشبه الرتوش الرقيقة السريعة لكنها تشبه مشرط الجراح. ومنها مشاهد لهما في مقر العمل في السوبر ماركت، فعند تسليم حصيلة الخزينة للرجل القابع خلف الشباك، والذي لا نرى وجهه، نرى بوضوح تقبيله ليديها، وكذلك يفعل الرجل مع ابنة خالتها التي تنتزع يدها، بينما تستسلم أوتومن، وكأنها تخشى فقدان الوظيفة.

إضافة إلى مشهد آخر، فعندما تعلم ابنة العمة بالحمل وتخططان للسفر للعملية تترك يدها لنفس الرجل ولكن بعد أن تنتزع من حصيلة الخزينة عدة دولارات، هنا ترتعب أوتومن من تصرف ابنة خالتها المغاير لشخصيتها، وتنظر إلى الكاميرات بذعر. ثم نشهد ابنة العمة أيضاً وهي تتزين في انتظار الشاب الذي تعرفت عليه في الأتوبيس، إننا نشعر أنها فعلت ذلك حتى تطلب مساعدته، وتقترض منه المال بعد أن نفدت أموالهما؛ إذ لم يعد معهما حتى ثمن تذكرة القطار. إنها مضطرة لذلك، لأنها بحاجة للمال أيا كان نوع هذه الحاجة أو الاحتياج. وهذه المشاهد مكتوبة ومصورة بأسلوب هامس تلقائي ورقيق، ويستحق أن ينافس على الدب الذهبي، على مستوى السيناريو والإخراج، وكذلك أداء بطلته.

إعلان