لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السباق الرئاسي الأمريكي وثقافة المجتمع! "1"

عصام شيحة

السباق الرئاسي الأمريكي وثقافة المجتمع! "1"

عصام شيحة
07:00 م الثلاثاء 10 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية أضفت حالة من الإثارة علي الساحة الدولية كلها، حتى لم تعد أخبار جائحة كورونا تحتل صدارة الاهتمامات في الأيام الأخيرة، بداية من يوم الثلاثاء 3 نوفمبر 2020، حيث بدأ السباق الأمريكي.

وواقع الأمر أن المسألة تتخطى بكثير مجرد سباق رئاسي بالغ الأثر في الساحة الدولية، بل في النظام العالمي ككل؛ إذ كشف السباق عن كثير من تفاصيل المجتمع الأمريكي، بمفرداته الثقافية المتنوعة؛ فإذا بنا أمام مبررات حقيقية لتصدر الولايات المتحدة النظام العالمي، ولا يمنع ذلك من اختلافنا مع كثير من أوجه السياسات الأمريكية، لكن علينا أن ندرك يقينًا أن هذه السياسات لم تُصنع لتُرضينا نحن، بل لتحقق مصالح المجتمع الأمريكي وأهدافه.

من ذلك أن العنصرية التي نجدها في جذور المجتمع الأمريكي- وقد تطفو على السطح من وقت لآخر- لا يمكن اعتبارها من المهددات الحقيقية لاستقرار الدولة الأمريكية، خاصة أن بعضاً من "المحللين" يرونها قد تؤدي إلى اضمحلال الدولة الأمريكية تماماً، وتراجعها في إطار موازين القوى العالمية.

يُشير إلى ذلك أن نائبة الرئيس المنتخب بايدن، كامالا هاريس، من الأقليات في المجتمع الأمريكي؛ فهي سوداء ولدت في أوكلاند بولاية كاليفورنيا لأم من أصول هندية وأب من جامايكا؛ وساعدها هذا الأصل المزدوج على بناء الثقة بينها وبين أعراق شتى في المجتمع الأمريكي.

ومن جهة أخرى؛ فإن انتخابها نائبة للرئيس بايدن تحديداً، وهو الذي أعلن من قبل أنه سيبقى رئيساً لفترة رئاسية واحدة، لكِبر سنه، يحمل إمكانية وصولها إلى منصب الرئيس إذا ما رشحها الحزب الديمقراطي بعد انتهاء ولاية بايدن؛ ومن ثم فقد تطور الأمر في المجتمع الأمريكي من اختيار رجل أسود لأول مرة رئيساً للبلاد، أوباما 2008، إلى سيدة سوداء كنائبة للرئيس في 2020، إلى فرصة لاختيار سيدة سوداء للبيت الأبيض!

هذا التطور اللافت ربما يراه البعض بطيئاً بالنظر إلى عمر الدولة الأمريكية، لكن التراكم المنطقي دائماً ما يحتاج إلى وقت ليتجذر في الثقافة الشعبية؛ ومن ثم تقل احتمالات التراجع إلى الخلف مرة أخرى، وهو أمر قد يغيب عن ثقافة الدول النامية التي تنظر بإعجاب إلى القفزات المفاجئة، وبكثير من التقدير تكافئها، دون أدنى اعتبار لما لها من جذور في الثقافة الشعبية، أو مراجعة فرص تقهقرها، والتحسب لها.

كذلك أظهرت النتيجة أن المجتمع الأمريكي حريص على تقاليده وقيمه الليبرالية التي هددها كثيراً دونالد ترامب، وهي قيم نُخطئ كثيراً لو بحثنا عنها في السياسة الخارجية الأمريكية؛ إذ هي مصنوعة لرفاهية الشعب الأمريكي في الداخل، وللاستخدام المحلي في مُجملها، ووفق ما أسس له الدستور الأمريكي من حقوق وواجبات مُلزمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

بينما السياسة الخارجية تنتهج كل السُبل المتاحة لتحقيق مصالح الدولة، وفي حدود ما تسمح به فعاليات الصراع الدولي، دون مجابهة صريحة وعنيفة مع الشرعية الدولية، ودون أن يعني ذلك خضوع الدولة الأمريكية لمحددات الشرعية الدولية خضوعاً يُفقدها بعضاً من قوتها، أو يحرمها من فرص التفوق داخل منظومة النظام العالمي.

فقد كانت مواقف ترامب المُعادية للهجرة الشرعية وغير الشرعية مُناقضة تماماً لثقافة مجتمع بُني علي الهجرة، واكتسب ثراءه الفِكري من تنوعه العِرقي، واستطاع عبر مئات السنين صياغة ثقافته على نحو متنوع، يقبل الآخر، ويحتويه، ويبثه طموحاته وتطلعاته ليشارك في صنعها.

إعلان