لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في محبة الفيلسوف روجيه جارودي

د. أحمد عمر

في محبة الفيلسوف روجيه جارودي

07:00 م الإثنين 05 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"الشعر رجل فارس، وليس قصيدة مكتوبة". هذه المقولة للشاعر الفرنسي الحائز نوبل "سان جون بيرس"، أتثبت لنا أن الإنسان يصبح أحيانًا بما هو عليه من رقي معرفي ونبل إنساني قصيدة في ذاته وحياته. قصيدة تُثري الوجود الإنساني وترتقي بالأرواح والعقول، وتفتح للبشر آفاقًا للبحث والمعرفة والمحبة ورفض الاستسلام لقبح الأمر الواقع وظلمه.

ومن أجمل القصائد الإنسانية التي أدعو القارئ العزيز للنظر فيها وتأملها، وقراءة منجزها الفكري والحياتي، الفيلسوف الفرنسي الراحل "روجيه جارودي" الذي ولد في 17 يوليو 1913، وأعلن إسلامه عام 1982 بعد حياة فكرية وسياسية ثرية، وصار بعد إسلامه موضع اهتمام دوائر الفكر والصحافة والإعلام في العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة بعد أن نشر كتابيه "نداء إلى الأحياء"، و"ما يَعد به الإسلام".

زار جارودي القاهرة عام 1996، وبمناسبة تلك الزيارة كتب الدكتور يحيى الرخاوي مقالًا بجريدة الدستور حمل عنوان "جارودي روضة من رياض الجنة". شرح فيه لماذا يمكن أن نرى في شخصية وحياة "روجيه جارودي" قصيدة إنسانية حية في قمة الجمال والثراء.

وقد حدد الدكتور يحيى الرخاوي في مقاله عناصر جمال تلك القصيدة الجارودية الحية، وأبرزها أن روجيه جارودي لم يخن يومًا أحلام شبابه، ومجرد ألا يخون الإنسان أحلام شبابه رغم تغير المعارف والأحوال المادية والقدرة الإبداعية والقدرة البدنية، فهذا وحده يجعل حياة جارودي قصيدة إنسانية جديرة بالقراءة والتأمل والإعجاب.

كما أن جارودي انطلق في حياته من إيمان صادق بكل ما يعتقده أو يقوله أو يفعله، فلم تحركه أبدًا دوافع شخصية أو نفعية؛ لأن بحثه الأبدي كان عن المعنى، ولهذا رفض أن تكون الحياة بلا معنى أو بمعنى زائف يستند إلى قيم ودوافع غربية كمية استهلاكية قبيحة.

ولهذا طاف جارودي في الحياة وفي عالم الأفكار والمعتقدات والأديان، وكتب وحاور الناس، وسُجن وعذب وحكم عليه بالإعدام، ورفض الجنود المسلمون في الجزائر تنفيذ حكم الإعدام فيه؛ لأنهم يخافون الله. وكل طوافه كان لهدف واحد هو أن يجعل لحياته معنى ولوجوده قيمة مضافة للإنسانية.

في النهاية، فقد صار جارودي قصيدة إنسانية حية ورائعة؛ لأن حياته كانت نتاج خياراته الحرة، فلم يقبل أن يفرض عليه أحد أمرًا يجعله على نقيض مما هو عليه. ولأنه اعتبر أن الموت الذي سيأتي في نهاية الرحلة هو كمال حياة مشبعة بالأبدية، وهو أبدية معيشة، صامتة وجميلة، وفيه عودة "الأنا الصغير" إلى "الله الواحد الأحد".

رحم الله الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي، الذي توفي في الثالث عشر من يونيو عام 2012 بعد حياة ممتلئة بالثراء الإنساني والروحي والفكري، صار بها قصيدة إنسانية جديرة بالقراءة. قصيدة تجعلنا نقول: أيها الإنسان، كم أنت جميل... أحيانًا.

إعلان

إعلان

إعلان