لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

  حكايات مبتدأ الزمان.. "قصة قصيرة"

د.هشام عطية عبدالمقصود

حكايات مبتدأ الزمان.. "قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 30 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التقى وعد – هذا اسمه – بزهوى ذات يوم بعيد في حفل لعيد ميلاد دعت له صديقتهما المشتركة، كان ذلك أول لقاء بينهما، انشغل كل واحد بدائرة أصدقائه الأقرب من ضيوف المكان، ثم التقت عيونهما في لحظة كثيرا ما يضعها كتاب السيناريو كحيلة على الورق لتبدو طريقة مقبولة دراميا للقاء، لكن الحياة أحدثتها بطريقتها حين رفع سامح يده لوعد من بعيد ليحييه ويدعوه فذهب وعد إليه، وكانت هناك واقفة مع زملاء، توقفت الساعات حينها قليلا ثم مضت مسرعة كما وصف الأشياء الجميلة في ذاكرة البشر، ومع دقائق تمر كان وعد وزهوى يقتربان، وهنا سمعت زهوى اسم وعد لأول مرة حين نطق اسمه، مضيا وقد صنعا ذاكرة اللقاء، انتهى الحفل، وكان العمر براحا والحياة تمنح ما يريد البشر أو توحي بذلك.

حين اجتمعا في جلستهما تلك لاحظ البعض أن شيئا بينهما ينمو على مهل كثمرة توشك أن تتفتح على فرع أخضر، مرت سنوات كثيرة يصعب عدها وقد طالت، ثم كانت جلسة أصدقاء استدعت أحاديث قديمة وبعضا من تفاصيل الذكريات، وحين كانت الصور التي يجمعها ما يشبه دفترا مستطيلا مغلفا بتاريخ السنوات موجودا، فقد حضرت صورة من الحفل القديم تواجدت فجأة كمصادفة متعمدة، ولما كانت الحياة من حقها أن تقرر أن تمضي بالمنطق وبلا منطق أيضا، فقد جاء سؤال أطلقه أحد الحاضرين: هذه زهوى وهذا وعد وقد غابا كثيرا لا يعرف أحد عنهما شيئا يا ترى ماذا جرى بعد ذلك الحفل؟.

توجه السؤال إلى كل زميل يعرفهما معا، متوقعين أنهم يملكون وقائع ما جرت به الأيام وتضمنته فصول الحكاية، فقال سامح الأقرب معرفة بهما ضاحكا: هذا يوم تبدو النسمات فيه باردة شهية بفرص التخمين وما زال الوقت متسعا، فلندر سويا عجلة أيام وعد وزهوى، والأقرب لمعرفة ما جرى بعد ذلك سيكون فائزا بلقب "العارف بالأيام"، كان الاسم يبدو مدهشا وربما غريبا لكن أعجبتهم الفكرة وبدأوا.

قالت نورا: كان وعد طيبا كسماء تصطفي نجومها وزهوى تشبه ضوء أول صباح ينعكس على بحيرة فيضيئها، ولا شك أنه انتظرها قليلا بعد أن غادرا الحفل تلك الليلة، ثم لا شك أنها لم تتأخر لإدراكها دون أن يقول أنه سينتظرها، وأنهما مشيا معا قليلا في الطريق المضيء الطويل المفضي إلى خارج المكان، كان يومها القمر يظهر كاملا في استدارته، ثم حدث ما هو معتاد في ذلك الأمر بالنهايات السعيدة التي تغلبت على العوائق المعتادة والمعهودة، وهما الآن يرويان قصتهما على أبناء لهما في مكان ما.

نظرت نحو من سامح تنتظر تعليقا، وكان يستمع في ود وصمت، ثم قال مبتسما ليس هذا أوان تأكيد أو دحض فقد تبقت ثلاث حكايات، قال أحمد: كنت أعرف وعدا لفترة ولذا عندي قصة غير مكتملة، وعد سافر يدرس بالخارج، وبالتالي هما لم يلتقيا بعد ذلك، ربما التقيا أولا ومرت بينهما أشياء ما كقصة حب قصيرة لم تنتهِ بشيء كبير، لكنه سافر وحيدا، وعلمت أنه متزوج الآن من ألمانية وله ابنة هناك اسمها زهوى، لكنه على أية حال اسم منتشر نوعا ما لدى العرب المقيمين هناك، أما حكايتي عن فترة قصيرة تلت اللقاء الأول مباشرة فهي لا تزيد على ما نقرأه في الروايات الرومانتيكية ونراه في الأفلام القديمة، فقد أحبها وأحبته وكان ذلك ظاهرا لنا جميعا في الحفل، ثم فضلت بعد ذلك واستكمالا لقصة معتادة نسمعها ونراها مرارا فقد اختارت أن تعيش في فائض قيمة رجل ثرى، وحين أحست بعد سنوات بأنها تشبه خزانته الحديدية وكلما قرأت ذلك التعبير الذي أعجبني في رواية لا أتذكر الآن اسمها، عموما أعلم يقينا أنها قد أرسلت خطابا لوعد وقد حكى لي عنه دون أن يذكر محتواه تفصيلا، ويقينا أعرف أنه غادر للخارج من دونها، لا شيء استمر بينهما بعد اللقاءات الأولى، هذا مؤكد.

كانت هدي تعلم أنه وقت حكايتها، بادرت تقول: أنا عرفت زهوى وكانت صديقتي، وهي اختفت بعد ذلك اللقاء بمدة قصيرة ولم أرها من بعدها مطلقا، لكن قبل أن تختفي رأيتها ووعدا في حفل بالأوبرا، كانت مصادفة وكانا يطبقان أيديهما معا ووجههما يتألقان بالفرح، هذا ما لا يمكن أبدا أن يغيب عن ملاحظتي، وأتذكر أيضا وردة حمراء في يدها الأخرى في ذلك المساء، لا بد أنهما ارتبطا ولو حتي لمدة قصيرة، هذا مؤكد فما زلت أتذكر خاتما في يدها في ذلك المساء، كانت ليلة وكأن الموسيقي فيها تصنع أغنيتهما الطويلة معا والتي ظننت أنها لن تنتهي أبدا، هكذا أثق أنهما التقيا وارتبطا لفترة ما.

انتظر علي قليلا كأنه يجهز لفكرة ثم قال: لدي حكايتي، أعرف زهوى وجمعنا عمل مشترك منذ سنوات بعيدة، لا تشبه الفتاة القديمة التي تعرفونها في شيء، ولولا أنني متأكد من أنها هي لأنكرت صلتها بزهوى القديمة، يمكن أن أقول مختصرا أنها صارت كائنا متوحشا، هل أبدو قاسيا؟ لكنه توصيفنا لها جميعا ممن تشارك معها في هذا العمل إنها كذلك، هي منشغلة بذاتها ولا تتحدث كثيرا وتغلق بابها على نفسها ولا يعرف أحد شيئا عنها، كائن صامت يعمل ويعيش في صندوق مغلق بإحكام، هكذا أثق أنها لم تكمل قصتها مع وعد أبدا، أما ما حدث لها حتى صارت هكذا فليس لدي ما يملأ تفاصيل الحكاية.

كانت صورة الحفل قديمة لكنها تحتشد بالوجوه العفية، عيون زهوى بها ما يبعث الأمل، وابتسامة وعد تشبه ظلا طيبا، كل ذلك كان مفتتحا للحكاية، تلك الحكاية التي حين قرر سامح أن يسرد وقائعها الكاملة، تذكرت هدى أن هذا اليوم عيد الحب، فقال فلتظل هكذا الحكاية وكما تحملها الصور القديمة معلقة على شجرة الأمل، فلتبقي تعطر ما حولها حين كل عيد نطالعها.

إعلان

إعلان

إعلان