لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تأملات سلوكية.. التنافس

ريهام فؤاد الحداد

تأملات سلوكية.. التنافس

ريهام فؤاد الحداد
09:01 م الأحد 25 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التنافس فعل حسن إن حَسُنَ سلوك المتنافسين، وإن علت قيمة وقدر المتنافس عليه. أما ما يجري اليوم على أرض الواقع، فهو مهزلة كبرى، بات الناس يتبارون في مسائل غريبة الشكل عديمة المعنى والمضمون: أين يقضون عطلة الصيف؟ أي الشواطئ أرقى؟ أي الماركات أعلى وأغلى، أي السيارات أحدث؟!

مشاهد المباهاة العقيمة بين مجموعة نسوة أو أطفال أو حتى رجال صارت لا تخلو منها جلسة! أحاديث يخجل منها أي صاحب عقل أو فكر أو شخصية تحترم ذاتها! أحاديث لا تحمل إلا عقدا وشعورًا دفينا بالنقص، وهدر للوقت.

يؤدبنا رب العزة في كتابه الحكيم فيقول- جل شأنه: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر. كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ. ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم".

معنى الآيات أنكم أصبحتم منشغلين بالمزايدات والكثرة في الأموال والبنين حتى زرتم المقابر تباهون بعدد موتاكم مَن أكثر ممّنْ.

وذهب تفسير إلى أن المقصود: تباهيتم بكثرتكم حتى وصلتم للمقابر والموت وحينها سوف تعلمون حقيقة غفلتكم والتهائكم عن العبادة وفعل الخيرات بتوافه الأمور. ولسوف تسألون عن نعيم وترف شغلكم عن الأهم وهو إعمار الكون وفعل الخيرات وعدم ارتكاب المعاصي.

تمر السنون وتمضي الدهور والإنسان هو الإنسان، ما زال يختال بنعيم فانٍ، يتبارى ويتباهى وحمقا يفعل، ما زال لا يستوعب أنه لن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولا!

لم أجد إنسانا ذا قيمة ومكانة وذكر إيجابي في التاريخ وكان هذا الفعل التافه سلوكه أبدا!

بل إنه فعل الغوغاء والمهمشين إذا ما أعطوا نعمة فأصبحوا (أغنياء المال، فقراء الفكر).

قيمتك ليست في ملبسك ومسكنك وما طعمت وشربت.

مكانتك وقيمتك وقدرك بما قدمت وما صنعت لهذا الكون، بماذا أفدت غيرك، ماذا فعلت للبشرية، ما هي إضافتك؟!

محتوى فكرك وروحك ونفسك مهم، وهو ما يثقل الموازين يوم إقامة الموازين.

التنافس الحقيقي في عمل الخيرات والبعد عن الموبقات وتوافه الأمور، استمتع بنعم الله لكن دون مغالاة ومظاهر فارغة، دون تباهٍ وتكبر، دون سفه وغفلة.

كن ذا قيمة. اجعل لأفعالك معنى وهدفا. إن هذه المسابقة الفارغة ما هي إلا تفاهة وحمق وخواء.

يمكنك المنافسة في العلم أو في الطب أو في موقع مرموق أو في اختراع أو اكتشاف أو في عمل جاد أو في مشاريع نافعة أو في تربية أبناء أصحاء نفسيا طيبين نافعين.

يمكنك المنافسة في عمل الخير بأشكاله المختلفة ونوافذه الكثيرة.

تذكر أباطرة وقياصرة وملوك العالم ومن نقش تاريخهم على الحجر وجدران المعابد، مشاهير التاريخ، علماء وقادة وأطباء وفلاسفة أو حتى طغاة أو أشرارًا! أين ذهبوا؟! وماذا تركوا؟! تركوا خلفهم الثراء والبهاء والترف، وبقيت لهم أعمالهم.

لو ملأنا القلوب بالتقوى والخير والصلاح لعمرت الجلسات بطيب الحديث وراحة البال ورضا النفس، ولانشغلتِ العقول بمنافع وأحاديث شائقة جذابة نافعة.

أضعف الإيمان أن لا يوجد هذا الاحتقان والتحفز والاستعراض الأحمق، الذي ربما أثر في روح ضعيفة أو شخصية مهتزة، فجعلها تشعر بالضعف والقِلة والعجز! الأمر أشبه بمعقد ضعيف يرهق معقدا ضعيفا! لماذا هذا العذاب وقلة الثقة؟!

هؤلاء أنفسهم هم المغتابون الذاكرون الناس بالسوء والمتدخلون في حياة البشر والمعلقون على أشياء لا تُعنيهم، فلا طيبة ولا خير في نفوس كهذه ولا أي سلام مع عقول كتلك.

المنافسة والتباهي عمليا بالأداء والفعل والإنجاز والفلاح الذي يجعل الناس هي من تعجب بك وتتخذ منك قدوة، وتتحدث عنك إعجابا وفخرا؛ فان شعرت أن ذاتك أقل من أي إنجاز وأنك لن تكون مفيدا يوما، فرجاءً لا تفسد أجواء المجتمع، وتنجب لنا ذرية تشبهك، لنتحول إلى مجتمع تافه مهلهل يراقب بعضه بعضا؛ حقدا وغضبا.

إعلان