لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بدون دعم أفضل

د. جمال عبد الجواد

بدون دعم أفضل

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 05 يوليو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بإعلان أسعار الوقود الجديدة نكون قد وصلنا لنهاية عصر الوقود الرخيص، فلا دعم للوقود بعد اليوم. ربما أكون من بين القلة السعيدة بالوصول إلى هذه النتيجة، ولدي أسباب عدة، أهمها هو العدالة الاجتماعية، فقسم كبير من دعم الوقود يذهب لفئات اجتماعية ميسورة ليست في حاجة للدعم؛ فكل من امتلك سيارة خاصة، وأنا منهم، يحصل على دعم على كل لتر وقود يستهلكه؛ ومهما كانت السيارة صغيرة، وحتى لو كان صاحبها لم يتمكن من شرائها لولا القرض الذي حصل عليه من البنك، فإن مالك السيارة يظل في وضع أفضل من ملايين المصريين الذين لا يستطيعون امتلاك ولا حتى دراجة، وهؤلاء هم الأولى بالدعم. سأدفع السعر الجديد غير المدعوم للبنزين بضمير راض، لأنني لم أعد أحصل بغير حق على أموال هي من حق الفقراء من أهل مصر.

على الدولة واجب دعم الاحتياجات الأساسية والضرورية. الاحتياجات الأساسية هي الأشياء التي لا يمكن لحياة الفرد أن تستمر بدونها. المأكل والمشرب هي احتياجات أساسية يستحق كل فرد أن يحصل على نصيب كاف منها، حتى لو لم يكن لديه ما يكفي من المال. العلاج والتعليم والمسكن هي احتياجات ضرورية للانتقال من مرحلة مجرد البقاء إلى مرحلة البقاء الإنساني؛ وهذه أيضا احتياجات على الدولة أن تتأكد من أن كل فرد يحصل على نصيب كاف منها، وأن كل مستحق ينال ما يكفيه من الدعم اللازم لمساعدته على الحصول على نصيبه الكافي.

من الناحية المبدئية، ومن وجهة نظر الإدارة الاقتصادية الرشيدة، لا يجوز بيع أي سلعة بأقل من سعر تكلفتها. السلع الرخيصة تشجع الناس على الاستهلاك، وليس من الرشادة أن يسرف الناس في استهلاك سلعة نادرة ومكلفة، فقط لأنهم لا يدفعون سعرها الحقيقي المتخفي وراء السعر المدعوم. هل تذكرون الوقت الذي كان فيه الناس يشترون الخبز المدعوم لاستخدامه في تغذية الدواجن والمواشي؟ لم يعد هذا يحدث الآن بعد أن تمت السيطرة على الفساد والإسراف والإهدار في دعم الخبز؛ وهو الشيء الذي سيحدث الآن مع الوقود. قائد السيارة الآن يعرف التكلفة الحقيقية للوقود، وله أن يقرر ما إذا كان مستعدا لتحمل هذه التكلفة من ماله الخاص أم لا، على عكس الوضع السابق الذي كان فيه المستهلك يأخذ قرارا بالاستهلاك، فيما تقوم الدولة بالدفع نيابة عنه.

على الدولة أن تدعم الفقراء لا أن تدعم السلع. السلعة المدعومة تغري أي أحد للحصول عليها، حتى لو لم يكن مستحقا؛ ولهذا علينا التخلي عن الدعم السلعي، والأخذ بنظام الدعم النقدي. ليس من السهل الانتقال لنظام الدعم النقدي في ظل نقص البيانات وضعف المؤسسات، ولكن علينا ألا نكف عن التقدم التدريجي في هذا الاتجاه؛ وحتى يحدث هذا فإن ما أخذناه حتى الآن من خطوات لترشيد الدعم هي خطوات شديدة الأهمية لإصلاح أحوالنا المالية والاقتصادية، ولرعاية الفقراء أيضا.

إعلان