لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

التوبة.. أهميتها وشروطها وموانعها

د. سامر يوسف

التوبة.. أهميتها وشروطها وموانعها

د. سامر يوسف
09:12 م الجمعة 31 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من الوارد جداً أن يقع أي من المسلمين في المعاصي والذنوب بتفاوت على قدر قربهم من الله أو بعدهم عنه، حيث إن الإنسان بصفة عامة مفطور على قابلية الوقوع في الخطأ وليس معصوماً كالملائكة، باستثناء الرسل والأنبياء من البشر طبعاً، فمهما بلغ الإنسان من الإيمان والتقوى فلا بد من أن تمر به ساعات من الضعف والتقصير. كما أنه من علامات التقوى والصلاح عند المؤمن أن يلجأ بسرعة للاستغفار والتوبة من الذنوب إن وقع فيها رغماً عنه، وذلك من صغائر وكبائر الذنوب على حد سواء. وقد قال الله تعالى بحق هؤلاء: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" (آل عمران - ١٣٥).

وورد العديد من الأحاديث الشريفة التي تحث المسلمين على التوبة حال وقوعهم في معصية ما، ولعل أشهرها ذلك الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه الألباني: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون"، وكذلك الحديث الذي في صحيح مسلم والذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". ولعل أشهر تلك الأحاديث الشريفة التي تحث المؤمنين على التوبة هو ذلك الحديث الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وحسنه الألباني: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

والدارج بين الناس أن شروط التوبة بإيجاز هي الندم على الذنب والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إليه مستقبلاً، بالإضافة لإعادة الحقوق لأصحابها. ولكن نظراً لأهمية التوبة فلا بد لكي نحسنها ونستفيد منها بحق أن نتأمل في شروطها ونفصلها، حتى تكون توبتنا مقبولة من الله سبحانه وتعالى، كما أننا يجب أن نتعرف على موانع قبولها حتى لا نقع فيها عندما نحتاج إليها بشدة.

فما هي شروط قبول التوبة؟

١- أن يخلص العبد لله تعالى في توبته، فيبتغي بها رضاه وثوابه، ويخاف من عقابه، لا أن يتوب من أجل شخص ما أو لغرض دنيوي يضمره في نفسه.

٢- أن يعترف ويقر بذنبه الذي يريد أن يتوب منه بلا مكابرة ولا جدال ولا تبرير.

٣- أن يندم على الذنب الذي اقترفه، ويتمنى مخلصاً لو أنه لم يفعله، فلا تُقبل التوبة من شخص يتباهى بذنبه ويحكي عنه متفاخراً.

٤- أن يقلع عن الذنب الذي تاب منه، فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعصية وعدم تركها.

٥- أن يعزم على عدم العودة إلى ذنبه هذا أبداً، فإن حدث يوماً ما وعاد إليه رغماً عنه - ولم يكن قد نوى ذلك قبل توبته - فإن توبته الأولى ستكون صحيحة بإذن الله، إلا أنه يجب أن يتوب منه توبة جديدة بنفس الشروط.

٦- أن يرد الحقوق إلى أصحابها إلا إذا سامحه صاحب الحق وتنازل عن حقه، فإن لم يسامحه ولم يُعِد له حقه فإن توبته ستكون مرفوضة ما لم يتحمل الله تعالى عنه ذلك الحق يوم القيامة، وذلك إن صدق في توبته مع الله ولكنه عجز عن رد الحقوق لأصحابها ولم يسامحوه فيها كذلك.

ولعل أغلبنا يعلم ذلك الحديث الشهير عن أنس بن مالك رضي الله عنه والذي رواه الحاكم، ويروي فيه الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجلين اللذين مثلا أمام الله تعالى وأحدهما له مظلمة عند الآخر الذي قد فنيت حسناته، وعندما أراه الله تعالى الثواب الذي أعده في الجنة للعافين عن الناس عفا عنه، فقال له الله: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة.

وكما أنه لا يوجد شيء يمكن أن يحول بين العبد المذنب وبين التوبة وبلا واسطة بينه وبين ربه، إلا أنه هناك بعض الموانع التي قد تمنع قبول تلك التوبة.

فما هي موانع قبول التوبة؟

١- لا يقبل الله توبة من ذنب ما دام المذنب كافراً.

فقد قال تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون" (آل عمران - ٩٠).

٢- لا تُقبل توبة المحتضر إذا دخل مرحلة الغرغرة قبل الموت مباشرة.

٣- لا تُقبل توبة الميت على الكفر عن ذنب ارتكبه فيما سبق.

فقد قال تعالى: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً" (النساء - ١٨).

كما قال تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبلُ وكنت من المفسدين" (يونس - ٩١،٩٠).

٤- لا تُقبل التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها عند نهاية العالم، حيث يغلق عندها باب التوبة.

فقد قال تعالى: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون" (الأنعام - ١٥٨).

فاللهم ارزقنا الطاعة والعمل الصالح، وابعدنا عن المعاصي والذنوب، وألهمنا سرعة الاستغفار والتوبة إن زللنا يوماً ما بغير قصد، حتى نلقاك بصحف بيضاء وأنت راضٍ عنا فتدخلنا جنتك بفضلك وكرمك، وذلك هو الفوز العظيم.

إعلان