لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ليس بالإعلانات وحدها تعيش الميديا!

د.هشام عطية عبدالمقصود

ليس بالإعلانات وحدها تعيش الميديا!

د. هشام عطية عبد المقصود
09:01 م الجمعة 17 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحضر الإعلانات كثيفة متكررة مشتاقة في الفصل الموسمي الرمضاني للدراما والبرامج التليفزيونية والإذاعية وبرامج الترفيه والمقالب، وعلى مختلف القنوات ارتباطا بطبيعة حشد الجديد والمبهر والكثيف ما يصنع تخمة المشاهدة ربما تقديرًا لحالة جمهور الناس بعد وجبة الإفطار، هكذا يتكرر المشهد في كل رمضان وعبر عقود وسنوات طوال.

ونجد في مشهدنا الإعلاني الحالي ظاهرة ذات طبيعة رمضانية بالأخص تتعلق بطبيعة ومدة بعض الإعلانات المهيمنة، وهي لم تعد حالة واحدة لها مبرراتها التسويقية بل ما يشبه الظاهرة التي يقف عندها التفسير ساكتا، وهي إعلانات درامية الطابع طويلة الدقائق متعددة العناصر بين الغناء والتمثيل، وقد يرى البعض أن مرد ذلك أنها لا تستهدف مقصدا إعلانيا متعارفا عليه ومباشرا بزيادة طلب على سلعة أو خدمة وإنما تستهدف بناء أو تثبيت مكانة تسويقية للشركة المعلن عنها، لكن إن لم يعمل ذلك على مقصد مركزي هو الحفاظ على العملاء ثم زيادة مساحتهم في مواجهة منافسين، وما يرتبط بذلك من عائدات وإيرادات وحجم حصة في السوق فما الجدوى؟!

هكذا حلت موضة الإعلان الدرامي الطويل، وهو يتجاهل فارقا نوعيا مهما أنه سيظل إعلانا ولن يكون فيلما أو مسلسلا، وأن ارتباط المشاهد به واندهاشه له – مهما بلغت براعته – ستتحقق ولمدة رؤية أولى واحدة فقط ثم ينتهي فعل المتابعة المستمرة، ليكون عبئا في طوله على مشاهد يتابع فيلما أو مسلسلا أو برنامجا، وحيث يمضي معهم المشاهد ليستكمل – بعد الإعلان أو في يوم تال- تطورا دراميا جديدا، يرتبط بتغير وتحرك للشخصيات على مسرح الأحداث، بمعنى من سيجبر مشاهدا رأى الإعلان الطويل وتشبع به منذ أول مرة أن يمنح من وقته دقائق كثيرة أخرى في ذات اليوم وعبر أيام مشاهدا ومتابعا له، بينما الريموت في يده وباقي القنوات تترى ببرامج ومسلسلات.

ولست أعرف سبب نمو هذه الظاهرة الإعلانية لدينا في رمضان تحديدا، وهل يرتبط ذلك بتحرك بعض مخرجي الدراما التليفزيونية والسينمائية للساحة الإعلانية فأضفوا عليها نمطهم دون إدراك كثير لخصوصية صناعة الإعلان، أم أن بعضا من العاملين في هذا الحقل لم يعودوا يرتبطون بتحولات صناعة الإعلان وإبداعه عالميا، وهل توجد لدينا مؤسسات تأهيل محترفة للصناعة الإعلانية ترتقي وتطور من هذا الجانب، وبشكل يعتمد على خبرات مهنية ودولية احترافية تمنحها خصوصيتها.

وفي كل ذلك، لم أسمع مدى قيام واعتناء أحد بتقييم تجربة الإعلانات طويلة المدى، درامية الطابع، ضخمة التكلفة، من حيث مدى تأثيرها على جمهور المشاهدين ومدى كونها أكثر جدوى تسويقية للشركات والهيئات المعلنة في تحقيق هدفها من وراء ذلك، أو أنها مجرد توجه وصرعةتكررت تقليدا، دون أن ترتبط كثيرا بهدف واضح قابل للقياس في مجال الصناعة الإعلانية التي ما زالت رغم سنوات طويلة مديدة في مصر يغلب عليها الهواية، ويرتبط بذلك غياب تجارب لمراكز بحوث كبرى لها مصداقية كبيرة ومتوافق على حياديتها ومهنيتها من مختلف أطراف الصناعة الإعلامية وتحظى بقبول علمي لدى الجميع.

ورغم أنه مما هو ثابت بالضرورة والتاريخ عند عدد من أصحاب الصناعة ومن مأثورات أيقونية شهيرة، أنه لا حياة للميديا من دون الإعلان، وهو ما قد صارت تتجاوزه – بتدريج مطَّرد - مفاهيم الصناعة المعاصرة بتحولاتها التقنية الضخمة، وما يرتبط بذلك من البث على ساحة الإنترنت عبر وسائط ترافق الجمهور في الموبايل حلا وترحالا، ولعل الشعار الجديد الذي دخل سوق البرامج والمسلسلات مصريا هو شاهد من غير إعلانات طبعا بعد دفع الاشتراك، وهو ليس بجديد كلياً عالميا ولا إقليميا، ولكنه تعبير عن تحول في دور الإعلانات كمورد مهيمن يتراجع في مقابل الاشتراكات المباشرة كعائد للميديا، هذا التحول هو نوعي وفارق في الصناعة وسينمو مع الوقت كثيرا، ويحتاج إلي رؤية واستعداد في الصناعة وشروطها، مع قبول وموافقة – شرائح تنمو بانتظام – على تمويل مباشر لمشاهدتهم ومتابعتهم للمحتوى الإعلامي وقتما يريدون، ومن غير قطع تواصلهم بالاستمتاع بالمحتوى بفواصل الإعلانات، إنه ما يلوح ويحدث في العالم أيتها الصناعة والصناع!.

هامش:

سنة إحدى وتسعين ومائة وألف: وفي منتصف شهر رمضان، ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل، مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان في فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها فنقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والأزقة. (عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الثاني).

إعلان

إعلان

إعلان