إعلان

من حيث لا يقصد الرجل ولا يدري!

سليمان جودة

من حيث لا يقصد الرجل ولا يدري!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 27 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اشتراكه اليومي في صحيفة نيويورك تايمز، وكذلك في صحيفة واشنطن بوست. وقالت ستيفاني جريشام، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إن مكتب الرئيس ألغى الاشتراك في الصحيفتين، وإنه ينوي دعوة الهيئات الحكومية إلى إلغاء اشتراكها أيضاً، وإن ذلك سوف يوفر الكثير من أموال دافعي الضرائب!

ولا بد أن هذه خطوة جديدة في خطوات معركة ممتدة، كانت قد بدأت بين ترامب منذ دخوله البيت الأبيض في يناير ٢٠١٧، وبين الإعلام التقليدي بوجه عام، والصحيفتين الكبيرتين بوجه خاص!

أما أنهما صحيفتان كبيرتان، فهذه حقيقة.. فالأولى توصف في الكثير من الأحيان بأنها أكبر صحيفة في العالم، كما أنها عريقة جداً في تاريخها، لأن تاريخ صدورها يعود الى عام ١٨٥١.. وأما الثانية، فليست أقل من الأولى بأي حال، ويجب ألا ننسى أن واشنطن بوست هي الصحيفة التي أزاحت الرئيس ريتشارد نيكسون من منصبه، بعد كشفها فضيحة التجسس الشهيرة، التي ضبطته هي متلبساً بها على الحزب المنافس، ولا يذكر أحد اسم الفضيحة التي اشتهرت بأنها فضيحة ووترجيت، إلا ويذكر في الوقت نفسه اسم الصحيفة التي كانت هي البطل في القصة كلها!

ولا أزال أذكر أني لما زرت مقر الصحيفة في واشنطن قبل سنوات، لاحظت أن صفحات أولى كثيرة من أعداد مختلفة من الجريدة، موضوعة على الحائط في براويز متفرقة مرة ومتجاورة مرة، وأن من بينها الصفحة التي تحمل في المانشيت تصريحاً للرئيس الأمريكي جيرالد فورد الذي جاء خلفاً لنيكسون!

وفي تصريحه، كان فورد يقول إنه مدين للصحيفة بحصوله على منصبه الرئاسي، وإنه ما كان ليصبح رئيساً لولا الواشنطن بوست!

وهذا صحيح طبعاً!

فالدستور الأمريكي ينص على أن نائب الرئيس يجري انتخابه مع الرئيس في نفس الصندوق، وأن منصب الرئيس إذا خلا لأي سبب، فإن النائب يخلفه تلقائياً دون انتخابات، ويكون عليه أن يكمل الفترة الرئاسية الى آخرها، لتجري عندئذ انتخابات جديدة!

وهذا ما جرى يومها بالضبط.. فلقد عاش فورد مديناً مدى حياته للصحيفة، ولولاها ما صار رئيساً، لأنه لم يرشح نفسه عند انتهاء فترة نيكسون التي أكملها هو، ولذلك فلولا الواشنطن بوست لكان قد مضى من منصب نائب الرئيس لا يسمع به أحد!

وعندما أثار الكونجرس الأمريكي قضية عزل ترامب مؤخراً، فإن مايك بنس، نائب ترامب، لا بد أنه قد ابتسم بينه وبين نفسه، ولا بد أنه قد دعا الله أن تمضي إجراءات العزل إلى آخرها، وأن تنتهي بالعزل فعلاً، لأن هذا لو حدث، فسيصبح هو الرئيس بشكل تلقائي، ولأنه لا يضمن أن يخوض الانتخابات المقبلة رئيساً، ولأنه لو خاضها لا يضمن أن يفوز في النهاية!

وسوف يبقى موقف ترامب من الصحيفتين الكُبريَيْن في بلاده علامة في طبيعة العلاقة بين الرئيس في مكتبه البيضاوي، وبين الإعلام في العموم.. فلقد اعتمد الرجل، منذ اللحظة الأولى لترشحه في السباق الرئاسي على الإعلام الجديد، وبالذات على تغريداته على موقع تويتر، وكان يداعب جماهيره وتداعبه، من خلال هذا النوع من الإعلام، ولا يزال يفعل، ثم كان يتصور أن الإعلام التقليدي سوف يكون مطيعاً معه، وسوف يكف عن المشاغبات التي اشتهر بها.. وهذا ما لم يحدث ولن يحدث في الغالب.. ولذلك اعتبر الرئيس الأمريكي أنه في معركة ممتدة مع الإعلام التقليدي، وكان، ولا يزال، يهاجمه في كل مناسبة، ويتهمه بأنه فاسد، ثم يستدرك ليقول مصححاً: ليس كله فاسداً.. بعضه فقط هو الفاسد!

والشيء الذي لم يحسب هو حسابه أن موقفه سوف يمثل دعاية مجانية للصحيفتين، وسوف تبيع كل صحيفة منهما نسختين في مقابل كل نسخة يتوقف اشتراكها، وسوف يكون ترامب قد قدم لهما خدمة كبيرة من حيث لا يقصد ولا يدري.

إعلان

إعلان

إعلان