لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 بأس الصناعة وليس بؤسها

بأس الصناعة وليس بؤسها

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 17 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إشهار وإعلان وإبراء ذمة: هذا ليس مقالاً اقتصاديًا من قريب أو بعيد. ولا هو تنظير عن البورصة أو تكتيك خاص بالمشروعات الكبرى والصغرى. ولا علاقة له بالربط بين مستوى الدخل وتدنيه أو ارتفاعه أو معدل الاستهلاك وصحته وعلته أو أرقام التضخم ومعناها وفحواها. هذا مقال عبارة عن سؤال الهدف منه الاستفسار لا الاستنكار، والاستيضاح لا الاستبواخ.

البواخة الرهيبة التي يواجهنا بها جانب من شعب "فيسبوك" السوداوي صباح كل يوم ممن يحملون راية "رايحة بينا على فين يا مصر؟!" و"مصر قاسية أوي على ولادها يا باشا" وهلم جره، ليست الغاية أو المراد من الكلمات التالية. ولكن جانبًا آخر من شعب مصر العظيم يسأل عن موعد الانطلاقة التصنيعية المنشودة والدفعة الإنتاجية التي طال انتظارها.

والبعض ممن مل طول الانتظار على مدى عقود ماضية تحول خلالها اقتصاد مصر من مصانع غزل ونسيج وسكر وحديد وصلب وغيرها من صعود وازدهار إلى هبوط وانقشاع إما توفاه الله بحكم السن أو عكف عن الانتظار ونأى بنفسه عن التمني والرجاء تحت وطأة القنوط والابتئاس.

وبين البؤس والبأس هوة سحيقة وفروق رهيبة. وبحكم روح المقاتل المصرية - التي قد تهدأ قليلاً لتعاود الاشتعال أو تفتر بعض الشيء فقط لتعود أقوى مما كانت- فإن هذا المقال يختار البأس بمعناه الموضح في "مختار الصحاح" حيث القوة والجسارة والإقدام.

وقد أقدم وزير التجارة والصناعة المصري الدكتور عمرو نصار على الحديث اليوم عن الصناعات اليدوية والحرفية، وكيف إنها على رأس أولويات وزارته في المرحلة الحالية، مع الإشارة إلى مسألة بالغة الأهمية ألا وهي إنها (الصناعات اليدوية) شكل من أشكال التأكيد على الهوية الوطنية. وجميعنا يعلم كيف أصبنا هويتنا الوطنية في مقتل حين تنازلنا طواعية عنها مفضلين عليها هويات واردة إلينا فحولت المجتمع مسخًا لا طعم أو لون له!

وأشار نصار إلى أن وزارته تستهدف تنمية التجمعات التراثية والحرفية الموجودة في المحافظات عبر تقديم الدعم الفني لها للارتقاء بإمكانات وقدرات الحرفيين وتشجيع حرفيين جددًا لضمان استدامة وتوارث هذه المهن الفريدة.

تفردت هذه المهن التي تعرضت لهزة عنيفة ووقع صريع لمنظومات وعوامل اقتصادية وثقافية واجتماعية مريعة على مدار نحو ثلاثة عقود ويزيد، وبلغت حدتها أقصاها خلال السنوات السبع الماضية، فهي تحتاج الكثير من العمل والتخطيط على أرض الواقع. الواقع الذي يشير إلى تضرر مهن وحرف تبدأ بالسباكة وتمر الميكانيكا والنجارة وتنتهي بالفنون المصرية الخالصة من خيامية ومشغولات الفضة والحفر على الخزف وغيرها من أجل عيون بكتيريا التوك توك القاتلة وفيروسات "التمناية" الهادرة يحتاج حلولاً جذرية وابتكارات مواءمة.

فكيف تقنع شابًا في العشرين أو صبيًا لا يتعدى عمره الـ(11) أو الـ(12) عامًا (نعم إنها عمالة أطفال غير قانونية!) أن يهجر قيادة هذه المركبات التي تؤمن له دخلاً يوميًا لا يقل عن 200 جنيه مصري في سبيل تعلم حرفة يدوية لا تؤمن له سوى أقل القليل؟!

وأقل القليل في مجال الحرف اليدوية وسبل تأمين البدائل المنطقية يستدعي كذلك أسئلة موازية تتعلق أيضًا بالصناعة. فطوفان بناء ملايين الوحدات السكنية الحالي سيصل حتمًا يومًا ما إلى مرحلة التشبع وأكثر، وهذا يعني أن ملايين العاملين في مجال البناء سيجدون أنفسهم وقد عادوا إلى الجلوس على النواصي انتظارًا لشغلانة هنا أو مشروع هناك قد يأتي وقد لا يأتي.

والمستثمر الأجنبي الذي نأمل أن يأتي إلى مصر، بالإضافة إلى أقرانه من المصريين والعرب، لا يمكن أن يظلوا يستثمرون في العقارات إلى ما لا نهاية. والسؤال هو هل هناك خطة أو تحرك أو إجراءات لأن يتحول جزء من الاقتصاد المصري – ومعه ملايين المصريين- إلى مجال التصنيع: ملابس، قطع غيار، أثاث، أدوات مكتبية، معدات طبية، منتجات ورقية... إلخ.

ومن على موقع المعرفة المصري قرأت الكلمات التالية: "لما كان النشاط الصناعي (التحويلي) واحداً من أهم النشاطات التي تخلق قدراً كبيراً من القيم المضافة، فإن تعزيز هذا النشاط وتوسيعه يؤديان إلى ارتفاع مناسب في مستوى المعيشة، أي في مجمل ظروف حياة الناس. والأمر هنا لا يتعلق بالدخل فقط، لأن النشاطات الاستخراجية أو الزراعية أو السياحية قد تعطي دخولاً مرتفعة أيضاً، وإنما المقصود تأثير عملية التصنيع في مجمل البنية الاجتماعية".

فهل نجد إجابة للسؤال حول موقف مصر من الصناعة وبأسها وقوتها وما تؤمنه من دخل ومكانة ومستوى معيشة وتنمية بشرية، ومعها إنقاذ لما يمكن إنقاذه من بنية اجتماعية؟

إعلان