إعلان

الرواية المحرّمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة

الرواية المحرّمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة

محمود الورداني
09:00 م الخميس 16 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد مرور ستين عاما على نشر رواية الراحل الكبير نجيب محفوظ " أولاد حارتنا"، لا تزال الرواية قادرة على إثارة الدهشة والجدل والاتفاق والاختلاف، وقادرة أيضا على اجتذاب هذا العدد الكبير من الكتاب والنقاد المنتمين لمختلف التيارات والاتجاهات الأدبية، انتمى بعضهم للأجيال الأقدم، أجيال الشيوخ والآباء، وانتمى بعضهم الآخر للأجيال الطالعة الشابة التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى.

المناسبة التي جمعت هؤلاء وأولئك مساء الثلاثاء الماضي في نادي جاردن سيتي هي حفل توقيع كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" الصادر عن دار العين. وإذا كان المعتاد في حفلات التوقيع أن تكون الكلمات التي تلقى فيها مركزّة وممهدة لتوقيع المؤلف على نسخ من كتابه للترويج له، إلا أن ما جرى كان مختلفا، حيث تحدث خمسة من النقاد والمفكرين والكتاب الذين ينتمون لاتجاهات مختلفة مثل د.سيزا قاسم ونبيل عبدالفتاح ود. محمد بدوي وطارق إمام ود. حسين حمودة.

والحقيقة أن الرواية تستحق كل هذا الاهتمام والجدل، فمنذ نشرها على حلقات في صحيفة الأهرام عام 1959 وحتى تعرض محفوظ للاغتيال (وهى المرة الأولى التي يتعرض فيها كاتب للاغتيال بسبب رواية في تاريخنا الحديث) عام 1994 وفي ذكرى حصوله على أرفع جائزة أدبية في العالم.

بين هذين التاريخين، بل وبعد ذلك بعدة سنوات حين سُمح بنشر الرواية في كتاب في مصر، ظلت أولاد حارتنا حاضرة بقوة على الرغم من أن الأزهر رفض نشرها في كتاب، في سلسلة من التقارير واللجان، منذ تقرير لجنة من الأزهر طلب جمال عبدالناصر تشكيلها وإبداء الرأي بشأنها، وحتى ما بعد نجاة محفوظ من الاغتيال.

من جانب آخر فإن الكاتب محمد شعير لم يقدّم في هذا الكتاب الذي تتبع فيه سيرة الرواية المحرمة نقدا أدبيا أو شرحا أو تفسيرا، بل قدّم ببساطة متنا قائما بذاته يضاف لمتن الرواية، قدّم تاريخا سياسيا واجتماعيا لما يزيد على ستين عاما لمعارك الحرية ومقاومة العدوان على الإبداع في مصر من جانب السلطة السياسية والدينية.

وعبر سبعة عشر فصلا، أعاد شعير قراءة كل المصادر والمراجع من مجلات وصحف وهو جهد ضخم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم يغفل إشارة هنا أو هناك إلا وقاد بتدقيقها وتوثيقها، وعندما كان يتشكك في هذه الواقعة أو تلك، كان يتوجه بنفسه ليسأل، ليس محفوظ وحده، بل يسأل أيضا كتابا أو شخصيات هامة مثل محمد حسنين هيكل أو سليمان فياض أو محمد فائق وغيرهم.

لم يكن لديه حقيقة جاهزة أو وجهة نظر مسبقة، بل كان يبحث ويتقصى وقدّم الحقائق عارية. وإذا كان دور لجان الأزهر في إصدار توصيات بمنع نشر الرواية واضحا، إلا أن ذلك لا يغفل دور السلطة السياسية في المنع حتى لو كان المنع بقفاز حريري، مثل اتفاق الجنتلمان الذي جرى بين حسن صبري الخولي ممثل جمال عبدالناصر الشخصي آنذاك، ونجيب محفوظ، بألا يوافق الأخير على نشر الرواية في مصر، وفي الوقت نفسه السماح بنشرها خارج مصر.
وفي النهاية لا بد من التأكيد على الإنجاز بالغ الأهمية لكتاب أعاد قراءة تاريخ الرواية وتاريخ الوطن، أو على حد وصف شعير نفسه: "فإن أولاد حارتنا لم تعد مجرد رواية طرح فيها أسئلته حول العدل والحرية، بل صارت تمثيلا لحكايتنا مع السلطة، والرقابة، حكاية المجتمع نفسه وتوقه للتفكير خارج الخطوط الحمراء. صارت الكتاب الرمز لمعركة ثقافية واجتماعية وسياسية، لم تنته بعد".

إعلان

إعلان

إعلان