لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أشياء لابد أن تعرفها لو مُصر تصوم على سفر… بس أنا هأفطر

أشياء لابد أن تعرفها لو مُصر تصوم على سفر… بس أنا هأفطر

د. أمل الجمل
09:00 م الجمعة 01 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنت عائدة من أمريكا علي رحلة مصر للطيران. عندما استقر بي الحال في المقعد المخصص لي بدأت - قبل الإقلاع - رحلة البحث عن الأفلام المهمة من بين المتاح علي الطائرة. كنت أحاول إشغال ذهني وتفادي الإحساس بالجوع أو العطش، فلا يزال هناك نحو ساعتين إلا ربع علي موعد الإفطار بتوقيت أمريكا، من إجمالي ١٦ ساعة ونصف صيام. جذبتني عناوين أربعة أفلام ”تشرشل“، و“ذا بوست“، “البورتريه الأخير“، و“الجبل بيننا“ رغم أني شاهدته من قبل لكني أخبرت نفسي لو كان هناك متسعا من الوقت وكنت لا أزال أمتلك طاقة سأعيد مشاهدته لتأمله.

قررت أن أبدأ بفيلم ”تشرشل“ للمخرج جوناثان تيبليتسكي من بطولة بريان كوكس. كنت قد شاهدت ”الساعة الأكثر حلكة“ للمخرج جو رايت - وبطولة الرائع جاري أولدمان - أيضاً عن وينستون تشرشل عقب توليه منصب رئيس الوزراء البريطاني علي غير هوي الملك، وتحديدا خلال فترة اتخاذ القرار بشأن موقعة ”دانكيرك“ ومحاولة إنقاذ الشباب اليافعين هناك من مذبحة محققة علي أيدي الألمان النازيين الذين ألحقوا حتى ذلك الحين خسائر فادحة بالحلفاء، كنت شاهدت أيضاً فيلماً حربياً آخر عن تلك الموقعة التي يحمل اسمها - بتوقيع المخرج كريستوفر نولان - تدور أحداثه ما بين البر والبحر والجو قبيل وأثناء تلك الموقعة، وإن كان بعضها يُظهر عدم تواني الأهالي في المساعدة، لكن أغلبها يأتي من وجهة نظر الجنود والضباط هناك أثناء محاولات الانسحاب والتغطية.

رجل أيقونة للنصر

منذ الربع ساعة الأولي لم يعجبني فيلم ”تشرشل“. شعور تأكد بعد إكماله، فهو عمل خطابي لا ينهض على أي حدث درامي، ولا نرى فيه صراعاً حقيقياً. فقط أقوال، ولقاءات واجتماعات يتم أثناءها إلقاء جُمل بدائية للتعريف بالرجال المجتمعين، وأخبار يتم ترديدها، وخطب وشعارات جوفاء غير مؤثرة. وجدت شخصية وينستون تشرشل نفسها ضعيفة، مهتزة، مترددة، الآخرون هم الذين يحركونه، ويتحكمون فيه، وهناك فقط حديث عن ماضيه المجيد، لكن أحاديثه هو نفسه أقرب إلي الندب، إلى الاستلام، فهو غير قادر على تحقيق أي من قراراته، وليس لشخصية الرجل بذلك الفيلم علاقة بالتاريخ الأسطوري الذي يتم تصويره عن وينستون، وذلك بعكس ما حدث معي مثلاً عندما شاهدت الشخصية ذاتها عندما جسدها جاري أولدمان - في ”الساعة الأكثر حلكة“ - فقد قررت حينها أن أعود لقراءة تاريخ شخصية تشرشل الذي بدا لي مبهرا.

مع ذلك كان قراري بمواصلة المشاهدة حتى النهاية للمقارنة والبحث في نقاط التميز والضعف في كل منهم، لمعرفة من الأقوى ولماذا؟ أعجبني بقوة ”الساعة الأكثر حلكة“. أحببته أساساً لقوة السيناريو الذي كتبه أنتوني ماكارتن والذي شارك في الإنتاج، فهو ينهض على تلاحق الأحداث، على الفعل ورد الفعل، قائم على الدراما الخصبة الثرية التي تكشف الصراع الداخلي والخارجي بين رئيس الوزراء وبين خصومه، كذلك بينه وبين الملك، تلك العلاقة التي بدأت وهي مشحونة بالكراهية وتقبل كل منهما للآخر مضطرا وعلي مضض، ثم كيف انتهت إلى علاقة إنسانية فيها ود وتعاطف واحترام عبر تطور هادئ بارع يُمهد لهذا التغير بشكل هامس، وغير محسوس.

أعجبني بناء السيناريو لتفاصيل العلاقة بين تشرشل وزوجته من ناحية، ثم بينه وبينه الموظفة التي كانت تكتب له علي الآلة الكاتبة، وتوظيف وجودها لخدمة الدراما وغرس نقاط للسخرية والضحك وأخرى للتعاطف والحزن والألم بمهارة وإنسانية عالية، وتلك العلاقة المرتبكة المعقدة الشرسة بينه وبين خصومه، وبراعته في دعم مواقفه التي يعارضها الآخرون من خصومه من رجال الوزارة بالاستناد على دعم الناس في الشارع، والتفاعل معهم والإحساس بمعاناتهم، ورفض الهزيمة والاستسلام أو الصلح في تلك الحالة، مفضلاً المقاومة حتى آخر رمق مهما كانت الخسائر حتى أصبح أيقونة للنصر.

مثلما أعجبني فيلم ”دانكيرك“ - الذي كتبه وأخرجه وشارك في إنتاجه كريستوفر نولان- لقدرته علي تصوير الضعف والانحطاط الإنساني في أدنى درجاته وأبشع أشكاله، فالخوف من الموت لدى بعض الجنود جعلهم يتحايلون ويفعلون المستحيل من أجل النجاة من الموت بشتى الطرق، إنها غريزة البقاء وقانون الوجود، في حين لم يغفل السيناريو أيضاً مقاومة آخرين لهذا الضعف وبسالتهم والتصدي لذلك، وتصرف الأهالي ممن يمتلكون مراكب وسفن حيال دعوة رئيس الوزراء لإنقاذ آلاف الجنود المحاصرين من شتي قوات التحالف وأغلبهم من البريطانيين المحاصرين في دانكيرك شمال فرنسا.

اختلاف حول الإفطار والسحور

فجأة وأنا وسط متابعة أحداث الفيلم المتواضع البائس ”تشرشل“ مقارنة بنظيريه ”الساعة الأكثر حلكة“ ودانكيرك“، شعرت بحالة من الجدل بين الركاب وبين بعض المضيفين والمضيفات بالطائرة.

كان قد مر ساعة تقريباً علي الإقلاع. لم يكن هناك أي مطبات هوائية بعكس تلك التي أسقطت قلبي من موقعه أثناء رحلتي الأخيرة إلي أوروبا، وكان طاقم الطائرة لطيفاً مهذباً، فأوقفت الفيلم لأعرف ما الذي يدور؟ ولماذا الاشتباك الحواري؟. كان النقاش حول كيف سيتم تحديد موعد تناول طعام الإفطار؟ ومتي سيحين موعد تناول السحور؟ وعلي أي أساس سيتم تحديد الموعد؟

الحقيقة أن الأمر لم يكن يشغل عقلي لأني شعرت أنه من المنطقي أن نلتزم بوقت أمريكا خصوصا أننا لم نبعد عنها كثيراً ولا يزال النهار والشمس بازغة، فمؤكد بالنسبة لي أن الإفطار سيكون محسوماً. لكني لم أكن أنتبه إلي مأزق موعد السحور. سمعت آراء مختلفة، منها أنه سيتم البقاء على الصيام حتى نمر على منطقة يحين بها آذان المغرب فيتم الإفطار، بينما اقتراح آخر بأن الفطور سيتم باكر والشمس لا تزال مضيئة حتى يُمكن اللحاق بموعد السحور في مصر حيث سيتم الالتزام به لمن يرغب في الصيام، علمًا بأن فرق التوقيت بين مصر وأمريكا ست ساعات، أي أنه عندما تستعد مصر للإمساك يكون المسلمون في أمريكا قد تناولوا طعام الإفطار قبل ساعة فقط.

من كثرة النقاش الدائر من حولي في الطائرة واحتدامه، والشعور بجو من ”اللخبطة“ قررت أن أعبر عن رأيي أملاً في إغلاق النقاش والتركيز مع الفيلم - ونحن في ذلك التوقيت لم نكن قد بعدنا كثيرا عن أمريكا. فقط ساعة أو ساعة ونصف - قلت: هذا معناه أننا بعد ١٦ ساعة ونصف الساعة من الصيام سنفطر، ثم بعدها بأقل من ساعتين سنبدأ صوم يوم جديد يبلغ ١٥ ساعة تقريباً أو أكثر وبدون أن نتمكن من تناول طعام السحور لأننا لم نهضم طعام الفطور بعد. في الآية ١٨٤ من سورة البقرة يقول الحكيم: ”فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام أخر". فرد أحد الرجال من المقعد الأمامي: ولماذا أسقطت الجزء الأخير من نفس الآية: "وأن تصوموا خير لكم". ثم أضاف كأنه يتهمني: الناس بقت متساهلة قوي في دينها. ضايقني رده، فأجبته: فيه حديث شريف صحيح ومؤكد يقول: "إن الله يحب أن تُؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه". وفي رواية أخرى: "إن الله يُحب أن تُؤتي رخصه كما يكره أن تُؤتي معصيته". ربنا منحنا رخصة وكان قادرا - لو أراد - ألا يقدمها للتيسير علينا، فلماذا لا نستخدمها؟

السفر العكسي

ردوده المتشددة، واتهامه المبطن جعل عقلي في وضع التحفز، وأثار الرغبة في رد الإهانة بأسلوب مهذب وعلمي. تذكرت الملف الذي كونته ذات يوم علي جهازي الكومبيوتر الخاص بي والذي أحمله في حقيبة يدي عن "الصوم والإفطار في السفر" فيما يزيد عن خمسين صفحة. فأعدت فتحه وتصفحت بعض أجزائه سريعاً فوجدت فتوى تقول: "إذا أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس، وارتفعت في الجو، فلا يحل للصائم الفطر حتى تغرب الشمس". وهو نفس المعني الذي تؤكده الفتوي رقم ٨٥٨ الصادرة عن دار الإفتاء في ٢٢ يوليو ٢٠١٠ والتي تضع شروطا لممارسة رخصة الإفطار، ومن بينها "أن يشرع في السفر قبل صلاة الفجر، أما إذا دخل عليه وقت الفجر ولم يبدأ بالسفر بعد فلا يجوز له الإفطار ذلك اليوم".

بعد قراءة أكثر من رأي رجل دين يؤيد مضمون الفتوى السابقة طرحت علي الشخص ذاته تساؤلاً: طيب فرضا أنا بدأت السفر بشكل عكسي، أي من مصر إلي أمريكا، مثلا سافرت التاسعة والنصف صباحاً من مصر وفق مواعيد مصر للطيران التي نستقلها الآن، سأصل أمريكا بعد عشر ساعات ونصف الساعة، وسيكون الوقت في أمريكا تقريبا الواحدة والنصف ظهراً. وهو الوقت الذي سيكون أهلي في مصر يتناولون طعام الإفطار بينما سيكون علي أنا الانتظار نحو سبع ساعات آخري لأفطر مع المسلمين في أمريكا وفق توقيتها المحلي في الثامنة والربع مساء؟ لأنه لا يجوز لي الإفطار والشمس بازغة، ومعني ذلك أنني سأكون قد قمت بالصيام على مدار ٢٢ ساعة فهل هذا معقول؟ وأين يُسر الدين من هذا؟ أليست هذه مشقة مبالغ فيها؟ في تقديري أن الدين يُسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، هل هناك أيسر من أن يكون كوب الماء على فمك والأذان يؤذن فيُقال لك اشرب واروي عطشك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ».

كان الرجل لا يزال منصتاً لكنه صمت تماماً كأنني أتحدث مع الهواء، في حين أبدى الشخص المجاور ومَنْ أمامه تفهما وموافقة علي رأيي. كنت أعلم أن هناك آراء وفتاوى أخرى متباينة، فالأمر اختلف من حوله علماء الدين، ولهم فيه آراء متفاوتة بعضها متشدد وبعضها يُيسر على الناس أمور دينهم، ولا ينفرهم منه، وهناك مثلاً فتوى أخرى بأن "الفطر في مثل تلك الحالات - التي ذكرتها أعلاه -جائز بشرط ألا تفطر إلا بعد مجاوزة بيوت البلد الذي تسافر منه، ويجب عليك قضاء هذا اليوم إذا أفطرته. ولكن أيضاً إذا اخترت الصوم في السفر فهذا جائز لك، ولكن في تلك الحالة ليس لك أن تفطر إلا إذا تحققت أو غلب على ظنك غروب الشمس، فإذا أفطرت والشمس بازغة فعليك القضاء، وهناك البعض يري أنه "إن كان الفطر والصيام بالنسبة للمرء على حد سواء فالصيام أولى، وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى، وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد".

عندما تختفي الأصوات المرتفعة

إن اختلافهم رحمة. هذا سفر ليس عادي، بل فيه مشقة، فلماذا التشدد؟! فإن كان هناك إناس قادرون علي تحمل تلك المشقة فهذا قرارهم، ولهم حرية الاختيار، لكن عندما يكون الاختلاف أيضاً حول موعد الإمساك الذي سوف يلتزمون به فلماذا لا نُفَّعل تلك الرخصة؟ شخصياً هذا الرأي لا أُلزم به أحداً، فكل امرئ مسئول عن نفسه وعن قراراته طالما كان بالغ رشيد ويمتلك عقلاً يفكر به. وشخصياً حسمت أمري وفق طاقتي وقدرتي. الأمر بالنسبة لي لا يحتاج فتوى من رجل دين، استفتي قلبك يفتيك، سأُفَّعل رخصتي استنادا لقلبي وعقلي أيضاً، فهذه الرحلة طويلة تبلغ ١٠ ساعات ونصف الساعة حتى القاهرة، وقبلها كنت بدأت رحلة بالسيارة لمدة ساعة ثم رحلة طيران داخلي ساعة ونصف، وبينهما ترانزيت ساعتين ونصف. فإذا نجحت في صيام اليوم الأول أثناء السفر فإنه يصعب عليَّ جمع يومين من الصيام أو علي الأقل من دون شرب مياه خصوصاً أننا سنهبط إلي القاهرة ودرجة الحرارة تتجاوز الثلاثين درجة.

بالفعل تم الفطور وبعد نحو ساعة منه كانت هناك مضيفة تمر علي الركاب وهي تمسك بيدها كشف تدون فيه أسماء مَنْ يرغبون في تناول طعام السحور. لاحظت أن الأصوات المرتفعة المحتدمة قبل الإفطار اختفت، وأن الرجال المتشددين الذين اختلفوا طويلاً في النقاش لم يرفع أحدهم يده ولم يطلب سحوراً إذ قبل مرور أقل من ساعتين من الفطور تم الإعلان عن اقتراب موعد الإمساك. شخصياً كان لا يزال أمامي بعض من طعام إفطاري اللذيذ الذي كنت أتناوله علي مهل، وأنا أشاهد أفلامي المختارة

إعلان