لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المؤسسات تتحدى ترامب

المؤسسات تتحدى ترامب

عمرو الشوبكي
09:01 م الخميس 24 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تنتمي تجربة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لنوعية من التجارب يقودها زعماء (مدنيون أو عسكريون) يأتون من خارج المشهد السياسي ويضعون فيتو على

"Establishment " أو التيار المهيمن في الحياة السياسية، ويقدمون أنفسهم للمجتمع على أنهم يمثلون الصوت الجديد والبديل (وأحيانًا المنقذ) للنظام السياسي القائم.

والمؤكد أن بعض هؤلاء القادة كانوا وبالًا على بلادهم حين نجحوا في تطويع مؤسسات دولهم لصالح توجهاتهم المتطرفة وأدخلوها في كوارث كثيرة، وبعضهم نجحت المؤسسات الديمقراطية القوية والراسخة أن تعدل من خطابهم السياسي وتحد من تطرفهم وتجعلهم داخل إطار المبادئ الدستورية والقانونية مثلما يتحدث البعض عن علاقة اليمين القومي والمتطرف الذي يمثله ترامب بالمؤسسات الديمقراطية.

والمؤكد أن هناك فارقًا كبيرًا بين دولة المؤسسات وبين العزب وأشباه الدولة في التعامل مع قادة الدول والزعماء، ويقينا التجربة الأمريكية الحالية تدل في أحد جوانبها الرئيسية على تعقيدات العلاقة بين المؤسسات الديمقراطية الراسخة وشطط الرئيس المنتخب، وكيف نجحت الأولي في تهذيب وتصويب كثير من التصرفات الهوجاء للرئيس الأمريكي.

وكما تتابع الصحافة أخبار الرئيس الأمريكي وقراراته الفجائية وأسلوبه وطريقته الخاصة في الحكم والإدارة، فإن الباحثين والكتاب سيحتاجون لجهد علمي مدقق لرصد طبيعة العلاقة بين المؤسسات المستقلة والراسخة في أمريكا من قضاء وإدارة وإعلام ومؤسسة عسكرية وأمنية وبين توجهات الحاكم والرئيس، وأن ماجري في أمريكا على مدار ما يقرب من 3 سنوات يحتاج لمجلدات لرصد علاقة التأثير والتأثر بين المؤسسات ورأس السلطة التنفيذية.

والمؤكد أنه في أمريكا نظام ديمقراطي فعال يطبق على الأمريكيين، ومؤسسات دولة راسخة ذات تقاليد وقعت أمام تحدٍ حقيقي يتمثل في قدرتها على أن تعيد تشكيل خطاب التطرف الذي يمثله ترامب إلي خطاب قريب من الاعتدال وتهذب شوائبه.

وقد يكون موقف القضاء الأمريكي من رفض قرار ترامب بمنع مهاجري 7 دول على أساس ديني سببًا رئيسيًا وراء مراجعته أو تعديله لقراره جزئيًا في 3 مسائل:

الأولي: إنه سمح بدخول حاملي بطاقات الإقامة الدائمة من البلدان السبعة لأمريكا بعد مراجعة سفارات الولايات المتحدة في بلادهم لإضافة إجراء أمني جديد.

الثانية: إنه صرح أن "الحظر لا يستهدف المسلمين ولا يتعلق بأي ديانة إنما هو إجراء احترازي لحماية أمن وحدود البلاد".

الثالثة: إنه استثني العراق من هذا الحظر حيث القوات الأمريكية.

تهديدات ترامب باستخدام الأسلحة النووية ورعونته وحديثه الشهير أن لديه زرًا يستطيع أن يضغط عليه ليطلق قنبلة نووية تمحو كوريا الشمالية (قبل أن يرضي عليها ويرتب قمة مع زعيمها سرعان ما قال أول أمس إنه قد يلغيها)، كان يمكن أخذه على محمل الجد والخطر لو كان ترامب يحكم دولة من دول العالم الثالث بلا مؤسسات أو جرفت مؤسساتها، إنما هو يعلم أن المؤسسات الأمريكية لن تسمح له بالقيام بتلك الخطوة لأسباب تتعلق برغابته وشططه ورعونته.

إن تهديد ترامب لمعارضيه مثل أي حاكم مستبد، وكراهيته للإعلام ومنع بعض القنوات من دخول البيت الأبيض كل ذلك لم يحل دون قيام المعارضين بنقده وإصدار كتب تهاجمه وتتهمه اتهامات لا حصر لها، وإن CNN التي منع مراسلها من دخول البيت الأبيض انطلقت في دنيا الله الواسعة تهاجم توجهات ترامب بمهنية وتأثير كبير.

ترامب يذكرك بالزعماء المستبدين في العالم الثالث ودولنا العربية، وهو ما يعني أن نفسية الاستبداد وتركيبة المستبدين لا تخص مجتمعًا ولا ثقافة دون أخرى، إنما هى "آفة بشرية"، والفارق الرئيسي أن في البلاد المتقدمة هناك مؤسسات راسخة وقويه قادرة على أن تقف في وجه هؤلاء الحكام وتعدل وتهذب من خطابهم ومن تطرفهم، في حين إن في مجتمعات أخرى العكس هو الصحيح حين "يركب" الزعماء هذه المؤسسات ويطوعونها لحسابهم.

المعركة بين ترامب والمؤسسات حقيقة، ولكنها تأتي في ظل ترسخ القواعد الديمقراطية التي أوصلته للسلطة في ظل وجود مؤسسات مستقله تفرض عليه أن يعيد النظر في تطرفه، لأن هذه المؤسسات تقوم ليس فقط على احترام الدستور والقانون والحفاظ على استقلاليتها وحيادها من قضاء وإعلام وأجهزة أمنية وإدارية، إنما أيضا هى منظومة متكاملة تدفع كل من يدخل فيها إلى النسبية وقبول التنوع وعدم التطرف في توجهاته بصورة تقصي الآخرين.

على كل المهتمين بالشأن العام وبالنظم السياسية أن يتابعوا ما يجري في أمريكا في السنوات القادمة فلو اتجه ترامب نحو مزيد من التطرف ونجح في تطويع المؤسسات الديمقراطية لحسابه (مسار لا نرجحه)، فينشأ قضاء غير مستقل وجهاز أمن يحميه ولا يحمي شعبه ودولته، ستنقسم أمريكا داخليًا بصورة لم تعرفها من قبل، وسنشهد نظامًا مختلفًا عما عرفه العالم الحر والديمقراطي على الأقل في نصف القرن الأخير، وإذا عدل ترامب الجوانب المدمرة في خطابه بفضل قوة المؤسسات الديمقراطية، وتم تلجيم تطرفه كما دلت المؤشرات فإن هذا سيعني إنه سيسير في اتجاه إضفاء مسحة عقل واعتدال على آرائه المتطرفة لا تنبع من شخصه، إنما من قوة المؤسسات الديمقراطية التي بنيت في أمريكا وأوروبا وكثير من دول العالم (منها ماليزيا على سبيل المثال البلد القوي اقتصاديا والذي شهد مؤخرًا تداولًا ديمقراطيًا للسلطة حرسته المؤسسات)، وسيعني أيضا خسارته المؤكدة في الانتخابات القادمة بفضل إرادة شعب امتلك مؤسسات مستقله ومهنية ومحترمة.

إعلان