لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

احفظوا ألسنتكم.. يرحمكم الله!

احفظوا ألسنتكم.. يرحمكم الله!

د. ياسر ثابت
09:01 م الثلاثاء 27 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك في أن بعض الوزراء في مصر يحتاجون لمدرسين خصوصيين في مادة السياسة، خصوصـًا في جزئية "ما الذي يقال وما الذي لا يقال علنـًا".

إن كثيرًا من التصريحات غير المتوازنة أو المدروسة للوزراء سببها أن أغلب هؤلاء بلا خبرة في العمل السياسي الميداني، ولم يخرجوا من أحزاب، ولم يحتكُّوا في العمل العام مع المواطنين، لذلك ليست لديهم الخبرة بِمَ يقال ومتى يقال، فالأبرز في أغلبية الوزراء أن لهم خبرة في تخصصهم، لكن ليس لديهم خبرة العمل السياسي والتواصل مع المواطنين.

فإلى جانب الخبرة التي تأتي من العمل العام السياسي أو العمل الحزبي، هناك الثقافة السياسية، التي تندرج تحتها نقاط كثيرة مثل كيفية التواصل مع المواطنين وآلياته، وفنون وأدب الحوار، وعدم مخالفة التصريحات للقانون، وجميعها يجب أن يكون الوزير مُلمـًّا بها.

مثل تلك السقطات تُفقِد الرأي العام الثقة في الحكومة، وتصيب المواطنين بالإحباط، وربما إذا مرت مرور الكرام تكون نموذجـًا لآخرين في إطلاق تصريحات غير مسؤولة أيضـًا، ما يُدخِل المجتمع والدولة في بلبلة ولغط.

ويظن المسؤول أو الشخصية العامة أنه في منأى عن الانتقادات، ما دام يتحدث في نطاق خاص.

وهذا التقييم خاطئ بكل تأكيد؛ لأن عهد الخصوصية، بكل بساطة، انتهى.

وبسبب جملة من التطورات التقنية، التي نعرف بعضها ولا نعرف بعضها الآخر، بات كل مسؤول سياسي أو شخصية عامة مراقَبـًا معظم الوقت، وضمن تلك المراقبة، فقد يتم تسجيل، وأرشفة، ما يقوله في النطاق الخاص أو في أحاديث على نطاق ضيق، أو في الحوارات والتصريحات الإعلامية، ثم استدعاؤه، وإذاعته لاحقـًا في العلن أو على نطاق أكبر.

والمطلوب ببساطة، أن يعرف كل متحدث أو مسؤول أن ما يقوله علنـًا دائمـًا، وسرًا في بعض الأحيان، سيخرج يومـًا إلى الناس، وسيسمعه ويدركه ويتأثر به هؤلاء الذين يستهدفهم الخطاب، كما سيصل إلى الآخرين مهما كانوا بعيدين.

يفرض هذا على الشخصية العامة، والمتحدث العمومي، أن يضبط خطابه، وأن يختار إفاداته بعناية، وأن يزنها بميزان الذهب.

والحديث يطول عن زلات اللسان، وغياب الحصافة، وهو ما يعني غياب اللسان السياسي، الذي يعي ما يقول. إن غياب العقل السياسي أدى إلى غياب اللسان السياسي، فاللسان ينطق بما يجول في العقل، ومن الطبيعي أن يؤدي تضاؤل المعرفة الثقافية والسياسية، وغياب القدرة على ضبط الألفاظ والمصطلحات، إلى إفراز لسان يثرثر بما لا يليق، ويتحدث لغة العوام، ويعجز عن التواصل البناء مع الآخرين.

أزمة "اللسان السياسي" ممتدة. وقبل أيام قلائل، قدم اللواء أبوبكر الجندي، وزير التنمية المحلية، اعتذارًا لمجلس النواب عن تصريحاته خلال زيارته قنا، التي قال فيها: "توصيات النواب الخاصة بمسابقة قيادات المحليات الحالية برميها في الزبالة".

وقال "الجندي" في بيان له: "الألفاظ السيئة كانت صيغة مبالغ فيها لكسب ثقة الزملاء المتقدمين للمسابقة والتأكيد على عدم وجود وساطة أو محسوبية وبدء مرحلة جديدة تعتمد على الكفاءة فقط"، مؤكدًا أن استخدامه بعض الألفاظ كان إساءة في التعبير يعتذر عنها لرئيس المجلس والنواب.

ومن ذلك أيضـًا تصريح وزيرة الاستثمار داليا خورشيد أمام لجنة برلمانية، الذي قالت فيه: "المستثمرين تايهين جوانا، إحنا عايزين نجوز المستثمر للفرصة ويخلفوا كمان".

ولنتذكر أن الهلالي الشربيني وزير التعليم السابق قال إن لدينا خبراء يستطيعون تطوير التعليم في العالم، وهي عبارة بالتأكيد فيها مبالغة في غير موضعها، ونفاق للذات على حساب الواقع الذي يشهد ترديـًا ملموسـًا.

وفي أسبوع واحد من شهر مايو عام 2015، رأينا كيف أن زلات لسان الوزراء يمكن أن تحرج بشدة حكومة بأكملها.

سمعنا وزير العدل المستشار محفوظ صابر يعلن على الملأ، أن ابن عامل النظافة لا يجوز أن يصبح قاضيـًا، ثم خرجت علينا وزيرة التطوير الحضري د.ليلى إسكندر بتصريح غريب بأن "الصعايدة" هم سبب مشكلة العشوائيات في مصر!

وزير العدل تم إجباره على الاستقالة. فما قاله الرجل كان صادمـًا، لكنه في المقابل كان تعبيرًا فجـًا عن أمر واقع، وبالتالي فإن الرجل دفع ثمن صراحته، وبعد خروجه من المنصب بدا متمسكـًا بما قال.

ووزيرة العشوائيات تبرأت لاحقـًا من التصريح، وقالت إن ما نُشِر على لسانها "غير دقيق"، وهو التعبير الشهير الذي يقوله كل مسؤول يريد أن يتراجع عن تصريحاته، خصوصـًا بعد الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها إسكندر من ناشطين صعايدة طالبوا بإقالتها أو على الأقل اعتذارها.

ولنا في حكاية أحمد الزند أكثر من درس وعِبرة.

فقد أصدر المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا، في 13 مارس 2016، بإعفاء المستشار أحمد الزند، وزير العدل من منصبه، بعد رفضه تقديم استقالته في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء. فيما أعلن نادي القضاة تضامنه مع الزند ودعمه، بعد الهجوم عليه عقب تصريحاته التليفزيونية حول "حبس أي شخص يخالف القانون حتى لو كان النبي".

احفظوا ألسنتكم، يرحمكم الله!

إعلان