إعلان

"أسدك يابا هبشته قطة"

"أسدك يابا هبشته قطة"

د. أمل الجمل
09:00 م الأحد 30 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لن أنكر أن فكرة أغنية «كوبرا» للفنانة بشرى أعجبتني بما فيها من دلالات فيما وراء الكلمات، والإشارات التي يمكن تأويل علاماتها الدالة، حتى وإن بدا بعضها ساذجاً لعدم إتقان المخرج تصوير بعض اللقطات كتجسد الصراع مثلا. مع ذلك، تروق لي تلميحاتها عما وراء القوة الحقيقية التي يتمتع بها الأشخاص، وكونها نسبية، عن قوة الضعيف وضعف القوي، أو نبشها عما وراء الغرور والغطرسة، ما وراء العُقد النفسية التي تترسخ في أعماق البعض ولا ينجحون في التخلص منها فيتعالون، وتتضخم أناهم، وتتورم ذواتهم.

كثيرون – ومنهم إعلاميون ومفكرون وأساسًا جمهور الفنان الشعبي محمد رمضان- تحفظوا على جملة بأغنية بشرى «دا ما حصلش رقم ٧٠» على اعتبار أن إيراداته هي رقم واحد، فهل فعلاً محمد رمضان هو رقم واحد في أفلامه الأخيرة؟!

ما نعرفه من واقع الأرقام المعلنة على مدار العامين الأخيرين أنه لم يحقق المركز الأول، وأن آخرين يسبقونه، وربما لذلك كثف ظهوره في الأغنيات تعويضاً عما أصابه من تراجع في منطقة التمثيل، وفي تقديري أنه لولا تلك الأغنيات لما استطاع رمضان الحفاظ على شعبيته.

"السنين والنعلين"

الأهم أن سياق الكلام في «كوبرا» واضح أنها لا تتحدث وفقط عن تلك الفترة أو الحقبة الرمضانية، لكنها ترد عليه: "دا كثير قبله دخلوا النادي من سنين"، تقصد طبعاً نادي الملوك وأنه ليس حكرًا عليه كما ادعى، وتأكيداً على المعني نرى بالكادر خلف بشرى والراقصات شاشات تليفزيونية عديدة عليها صور لنخبة من ملوك الغناء وفنون الأداء من حقب مختلفة.

لكن، الذين دافعوا عن رمضان، وهاجموا بشرى لم يعترفوا أن كليب «كوبرا» مصنوع بشياكة، وأن كلمات الأغنية خالية من الابتذال، مثلما لم يتحدث أحدهم عن روح الديكتاتور التي تنفثها كلمات أغنية «أنا الملك» عندما قال محمد رمضان بعجرفة: «اثبت مكانك، ما اسمعش صوتك»، ولم يحتج أحد على إيماءاته الجسدية بنعليه وقدميه التي يقذفهما في وجهنا وهو يغني بغرور وصلف.

القناع والتنمر

السوشيال ميديا هاجت وماجت على الفنانة بشرى بسبب الأغنية لأنها في نظرهم تهاجم محمد رمضان، وتنمروا عليها بشكل ذُكوري مثير للدهشة، وحاولوا تحميل الأشياء أكثر مما تحتمل، ووصموا الكليب بالعنصرية والطبقية وأشياء أخرى، وكأن المجتمع البطريركي في أعماقه يمارس رفضه لجرأة امرأة في أن تنتقد رجلاً ادعى لنفسه الزعامة.

اللافت أن المدافعين تعاملوا مع الأمر كأن رمضان فعلاً مَلِكْ وأسد أخرجته الأغنية من عرينه، والسؤال: هو محمد رمضان مَلِكْ على مَنْ؟! ما أعرفه جيدا أن محمد رمضان ممثل مصري يصنع أُفلاماً تجارية بحتة، وحتى إن حقق بعضها أعلى الإيرادات فهذا لا ينفي عنها أنها أفلام رديئة فنياً، رغم أنه ممثل جيد وموهوب في التقليد. فلماذا هذا التنمر على بشرى؟! على الأقل الأخيرة شاركت في بطولة أفلام لها مستوى فني راقٍ عُرضت في مهرجانات دولية، لكن طبعاً لأننا في مجتمع لا يعترف بالقيمة، وأغلب مواطنيه شغلهم الشاغل الشهرة والإيرادات فيُصبح الدفاع عن الرداءة هو القاعدة.

في حدود علمي أن محمد رمضان - الذي يقول عن نفسه «نمبر وان» - لم يخرج بموهبته الاستثنائية خارج مربع أرض الكنانة. فلم يحقق مثلاً شيئاً مما حققه نجوم مصريون ذهبوا للعالمية، كما فعل عمر الشريف، أو محمد صلاح مثلاً. وطبعاً لا يوجد أي وجه للمقارنة.

كثيرون هاجموا كليب «كوبرا» بحجة أنه عنصري، بسبب القناع الأسود في إحدى اللقطات. أعتقد، الآن، أن هذا التأويل به مُزايدة. لنناقش الأمر من الناحية الفنية.

مخرج الكليب قرر أن يكون فيه ممثل تكوينه يُحاكي البنية الجسدية لرمضان، لكنه في نفس الوقت لا يريد إظهار الوجه لأسباب عديدة. هنا يكون البديل وضع قناع لإخفاء معالم الوجه وسيكتفي بالإيماءات والحركات الجسدية التي تُحيل للشخص المقصود، وبالمناسبة بُشرى أيضاً كانت ترتدي قناعين أكثر من مرة. الموضوع كله حيلة فنية، ربما لتفادي التقاضي ولعدم الوقوع في فخ المباشرة، لكنه أبعد ما يكون عن العنصرية.

لماذا لن تتجاوز كوبرا الملك؟!

أري أغنية «كوبرا» أرقى من أغاني رمضان، لكني لا أتوقع لها أن تحطم حاجز الستين مليون مشاهدة التي حققتها أغنية «أنا الملك» أو الأرقام التي حققتها «نمبر وان» لعدة أسباب؛ أن صوت وأداء وشخصية وكاريزما محمد رمضان أقوي وأكثر جاذبية لقطاع عريض من الجمهور، أن كلمات أغنيتيه استفزازية، فيهما سطوة، وتحدٍ للفشل وللظروف، فيهما تمرد على كلام المحبطين من حولنا وإثبات خطئهم، فيهما انتصار على مَنْ ينصبون الفخاخ، والعراقيل في طريق المكافحين المصممين على النجاح.

الثأر الوهمي

لن نستطيع الإنكار أن كثيرين من الجمهور الآن يتمنون أن يُصبح كل منهم محمد رمضان «آخر»، خصوصاً أنه جاء من بيئة شعبية، رقيقة الحال، لكنه لم يستسلم لظروفه، فنجح وأصبح نجمًا جماهيريًا يتربع كما يتوهم - أو يتذبذب كما تشير الأرقام - على القمة، والأهم أن لديه أموالاً طائلة.

لذلك، فإن كثيرين من معجبيه يتماهون في شخصه، وسيدافعون عنه باستماتة، لأنهم يرون فيه أملًا ينفي لهم المستحيل، ويثأر لكرامتهم، حتى لو كان الثأر وهمياً غنائيا ودرامياً فقط، وهذا احتياج نفسي مُلح حالياً لدى تلك الشريحة من الجماهير.

في حين تميل أغلب كلمات «كوبرا» إلى الحكمة الزائدة، ليس بها شيء من التحدي أو جنون العظمة الذي يريده الجمهور، خصوصاً في ظل ثورة تطلعات واحتياجات مرعبة. الجمهور لم يعد يقنع بالحكمة والتروي، والعقل، أو بذل الجهد والعمل الشاق. الجمهور يريد الجنون، يطوق إلى الانفلات، والتعبير عن غضبه المكتوم. هنا يأتي رمضان ليمنحهم فرصة الحلم والوهم لينفثوا عن ضعفهم، بأنهم قادرون على تجاوز ظروفهم، وتخطي القهر في حياتهم الواقعية والتظاهر بالقوة والنجاح والتفوق. إنها حيلة نفسية لمواصلة الحياة والبقاء.

معارك الهجاء الفني

أعجبني كليب "كوبرا"، أيضاً، وليس لدي مانع إطلاقًا أن يواصل رمضان رده بالأغنيات، لأن ذلك يُؤجج فكرة المشاحنات وإثارة المعارك التي تكون أدواتها، وأسلحتها هي التعبير الفني، عبر الغناء والاستعراض، والذي لم يكن قاصراً على الغرب، فغير صحيح أنه –تاريخيًا- يرجع فقط إلى شعر الهجاء أيام جرير والفرزدق، لكنه كان، ولا يزال، موجودًا في حياتنا الثقافية والفنية لفترات عديدة من تاريخنا السينمائي العريق. كان موجودًا أيضاً في معارك المفكرين والمطربين في الرد علي بعضهم البعض بالأغاني، وكذلك الكتاب، حتى من خلال عناوين الكتب والروايات. هذا جيد. أراه مفيدًا، ويمكن أن يكون مثمرًا فنيًا جداً.

يمكن أن ينتج عنه خصوبة حميدة وعصف ذهني إبداعي طالما لم يصل إلي حدود التجريح أو التشهير.

إعلان