لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تراجيديا الرئيس "مبارك"

تراجيديا الرئيس "مبارك"

د. أحمد عبدالعال عمر
09:04 م الأربعاء 26 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قبل الحديث عن تراجيديا الرئيس الأسبق حسني مبارك لابد أن نضع في الاعتبار أنه ونجليه علاء وجمال معتدون على المال العام، بحكم محكمة الجنايات، وبتأييد محكمة النقض؛ بعد أن صدر ضدهم حكم بالسجن لثلاث سنوات، وغرامة مالية، وذلك لإدانتهم بالاستيلاء على نحو 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية.

ولهذا أستغرب حالة الحب والتعاطف "المُصطنعة والمُوجهة" تجاه شخص وعهد الرئيس مبارك، التي تظهر على السطح مع كل ظهور له ولأفرد أسرته في الفضاء العام. وهي الحالة التي يحتفل بها أيتام النظام السابق، ويروجون لها مستغلين الصعوبات الاقتصادية التي نمر بها في لحظتنا الراهنة.

وهنا يجب أن نفرق بين اللواء محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية في حرب 73، وصاحب التاريخ العسكري المُشرف، والدور الوطني الذي لا يمكن إنكاره، وبين الرئيس محمد حسني مبارك الذي حكم مصر لثلاثين عامًا، تحولت الدولة في آخر عشر سنوات منها إلى "مشروع استثماري" يقوم على إدارته مجموعة مغلقة من أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية من أعضاء لجنة سياسات الحزب الوطني.

ولهذا فإن خصومة قلبنا سوف تظل مع مبارك وزمانه؛ لأن كل ما نحن فيه هو ميراث الخراب التي صنعته سنوات حكمه الثلاثون، التي شاخت فيها مؤسسات الدولة، وانتشر الفساد في أرجاء البلاد، وقوي نفوذ واقتصاد جماعة الإخوان، واخترقت التيارات السلفية وجماعات الإسلام السياسي قرى مصر ومدنها، وتراجعت الثقافة والفنون المصرية، وفقدت مصر قوتها الناعمة، وضعفت مكانتها ودورها في المنطقة.

خصومة قلبنا مع الرئيس مبارك، لأنه وهو القائد العسكري، صاحب التاريخ العريق قد ارتكب خطأ تراجيديًا فادحًا، وزلة شوهت تاريخه العسكري وبطولاته، عندما تغلبت عنده مشاعر الأب على مشاعر الحاكم المسؤول، واستسلم لطموح الزوجة، وجعل من ابنه بدون أي سند دستوري شريكًا له في إدارة شؤون الدولة، تمهيدًا لتوريثه الحكم، فأطلق الابن وأنصاره يدهم في اقتصاد ومؤسسسات مصر، وكانوا بسلوكياتهم وسياساتهم سببًا مباشرًا في قيام ثورة يناير.

خصومة قلبنا مع الرئيس مبارك؛ لأن نظامه نجح نجاحًا منقطع النظير في تعميم الفساد وآليات الإفساد، وشغل كل إنسان بمصالحه الشخصية والأسرية، وإبعاده عن الإهتمام بهموم الوطن وخدمة الصالح العام. كما نجح نجاحًا كبيرًا في مسخ وهدم المثل الأعلى، بحيث لم يعد في مصر إنسان أو مسؤول أو رجل دولة يمكن أن يكون قدوة صالحة جديرة بالاتباع والاقتداء.

وأظن أن تلك السياسة التي رعاها الرئيس مبارك وجماعة المصالح المحيطة به كانت سياسة موجهة ومقصودة، تهدف إلى تقزيم القيادات والنخب في مصر، بل تقزيم مصر الدولة والدور حتى تصبح بقامة الوريث، وبحيث يظهر بمفرده في الصورة، ويبدو كل المحيطين به دونه في كل شيء.

وفصل المقال أن كل إنسان يدفع ثمن خياراته، وهذا حكم ينطبق على السيد محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية لثلاثين عامًا، وأظن أن خياراته وسياساته عبر تلك السنوات الطويلة، وفقدانه للهمة والرؤية، وخطأه التراجيدي الذي ارتكبه في آخر سنوات حكمه، بضعفه أمام رغبات الزوجة والاب-، قد ابتذلت نهايته، وأسقطته من ذاكرة هذا الشعب العريق القادر على تقيم قادته بميزان دقيق، معياره الرئيسي هو نزاهتهم الشخصية، ودورهم الوطني، وإحساسهم بشعبهم، واستجابتهم لأحلامه وطموحاته.

وأظن أن الملصقات التي ملأت شوارع مصر في ثورة 30 يونيو، ولا تزال موجودة إلى اليوم، والتي تتضمن صور الرؤساء جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، وعبدالفتاح السيسي، وتستبعد الرئيس مبارك- هي أكبر دليل على بصيرة الوعي الجمعي عند المصريين، وقدرتهم على الحكم والتمييز، مهما حاول بعض المغرضين التدليس عليهم.

إعلان