لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بقع سوداء في الروح

بقع سوداء في الروح

ياسر الزيات
09:00 م الأربعاء 17 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

أفكر، أحيانا، في صحة فكرتي عن ذاتي، ودقة الصورة التي رسمتها بنفسي عن نفسي، مقارنة بالصورة التي يراني عليها الآخرون. وظني أنني أرى نفسي كما أحب، وكما أتمنى أن أراني، وليس كما أنا عليه حقا، أو كما يراني الآخرون في صورتهم عني.

وليس لديّ يقين بما أنا عليه، لأنني لا أراني إلا من خلال ذاتي، ومن خلال ما أنوي أن أكونه، بغض النظر عن نتائج النوايا عندما تتحول إلى أفعال.

لست من هواة جلد الذات، ولا أحب أن أتأمل ذاتي لأعاقبها على ما فعلت، أو لأدفعها للندم على ما لم تفعل، ولكنني أحاول أن أتأمل الذات لأفهم ذوات الآخرين ودوافعهم لفعل ما فعلوا أو ما يفعلون.

أنت، على الأغلب، تقف حائرًا عندما تعجز عن فهم سلوك ما أقدم عليه شخص ما، وتنظر إلى الفعل، لا من خلال دوافعه، بل من خلال تصورك لدوافعك لو كنت مكانه.

نحن مضطرون، في كل الأحوال، للتعامل مع الآخرين، وهو عبء على طبيعة الإنسان الفردية، لا يمكن تفاديه، بوصف الإنسان حيوانًا اجتماعيًا.

وفي حياتي، قابلت آخرين كثيرين كانوا جحيما حقيقيا، كما يصفهم سارتر، لكنني- الآن- أحاول أن أراجع نفسي، لا لأبرئهم، بل لكي أفهمهم. وأحاول أن أفهمهم، لا لكي أتسامح معهم، بل لكي أتعافى من الألم الذي رسم بقعة سوداء في روحي.

حدث كثيرا أن التقيت أشخاصا تركوا بقعا سوداء كثيرة في روحي، وكل أملي- الآن- أن تتبقى في تلك الروح مساحة بيضاء كفاية لإكمال ما بقي لي في الحياة ببعض البراءة الكافية للحصول على سلام يحتاجه الإنسان في نهاية حياته.

مرة، كان لي صديق لم أقدم له إلا ما اعتبرته كل الخير، بدون خوض في التفاصيل. فتحت له قلبي، كما فتحت له بيتي، وأمنت له، إلى أن جاءني من يقول لي إن صديقي هذا لا يبادلني المحبة بمثلها. ولم يقل لي ذلك شخص واحد، بل شخصان، لكنني ثرت عليهما، واعتبرتهما يحاولان إحداث وقيعة بيننا.

في نهاية الحوار الذي لم يكن طويلا، لأنني حسمته بفكرة أنني لن أقبل أن يتحدثا عن صديقي بهذا الشكل، قالا لي: "لا نطلب منك أن تقاطعه، بل أن تنتبه. هذا الشخص يطعنك في ظهرك، ويحاول أن يقطع عيشك"، وانتبهت.

اكتشفت أن ما قيل لي صيغة مخففة مما يفعله هذا الشخص الذي حاولت أن أجد له مبررا لما يفعل، فلم أجد. لم أفهم لماذا يكون شخص ما شريرا بلا مبرر، فهو أكثر موهبة مني، وربما كان أكثر تحققا وشهرة مني، ولا ينقصه شيء تقريبا، كما أننا نعمل في مجالين لا يتيحان لنا أن تتقاطع مصالحنا أو أن نتنافس معا.

هذا شر مطلق يستعصي على فهمي، لكن هذا الشر الذي صدمني جعلني أتساءل حول صورة هذا الشخص عن نفسه. المؤكد أن الأشرار لا يعتبرون أنفسهم أشرارا، ولا يرون فيما يفعلون سوءًا، وربما ذهبوا إلى اعتبار أنفسهم أخيارًا في مهمة خيرة، وربما يرون ما أعتبره خيرا أمورا شريرة، ويتعاملون على هذا الأساس.

من قال إنني الطرف الخير في المعادلة؟ أليست هذه صورتي عن نفسي؟ ومن قال إن الآخر هو الطرف الشرير في المعادلة؟ أليست هذه صورتي عنه؟

لا بد أن هناك أمرا ما خطأ في العلاقات الإنسانية يحول دون أن يتفاهم البشر مع بعضهم، وهذا يعني أن الآخرين قد يكونون بريئين من كونهم جحيمًا، وأن الجحيم ربما يكون هو حاجتنا إلى التعامل مع الآخرين، وهذا أمر يخصنا لا يخصهم.

إعلان

إعلان

إعلان