إعلان

محمد نجيب.. رد اعتبار متأخر

محمد نجيب.. رد اعتبار متأخر

د. ياسر ثابت
08:00 م الثلاثاء 25 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. ياسر ثابت

يأتي ، افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، التي تعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بالتزامن مع احتفالات الدولة والقوات المسلحة بذكرى ثورة ٢٣ يوليو، تكريمـًا لذكرى الأميرالاي محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية.

هذا الرجل، الذي تعمد البعض حذفه من المناهج الدراسية وكتب التاريخ، يستحق التكريم، فقد كانت شعبية محمد نجيب عاملًا فاعلًا في إنجاح حركة الجيش، وإكسابها التأييد الشعبي، كما كان أبرز من نادى بالديمقراطية وعودة الضباط إلى الثكنات. زادت شعبية محمد نجيب في الفترة التي تلت ثورة 23 يوليو، وجمع بعد أقل من شهرين من قيام الثورة أخطر ثلاثة مناصب في الدولة، وهي: رئاسة مجلس قيادة الثورة، ورئاسة مجلس الوزراء، والقيادة العامة للقوات المسلحة، مما جعل في حوزته سلطات لم يتجمع مثلها لشخصٍ واحدٍ قبله في مصر الحديثة.

في كتابه "كنت رئيسـًا لمصر"، يتحدث محمد نجيب عن أيامه الأولى رئيسـًا للجمهورية فيقول: "عندما قالوا لي: إن مرتب رئيس الجمهورية سيكون ستة آلاف جنيه سنويـًا أي 500 جنيه في الشهر.. عرضت أن أتنازل عن نصف هذا المرتب طوال مدة الرئاسة، نظرًا لما تتطلبه الدولة من أموال تستدعيها المشروعات الجديدة، وأنواع الإصلاح المختلفة، وما يتبع ذلك من أعباء طائلة على الدولة، وأضفت في رسالة بعثت بها إلى وزير المالية والاقتصاد: وأقر أني لو كنت أملك من الموارد الخاصة ما يكفي لنفقاتي الفردية لتنازلت عن آخر مليم في مرتبي".

ولأن اللواء محمد نجيب بعد اختياره أول رئيس لمصر بعد الثورة بدأ يتصرف على أساس أنه زعيم الثورة وليس مجرد واجهة، فإن زملاءه من أعضاء مجلس القيادة ثاروا عليه، فكان المجلس يتجاهله في كثير من المناسبات ولا يدعونه لحضور الاجتماعات في حين كان البعض يسبه بأقذع الشتائم جهارًا. وتزعم هذا الفريق الشقيقان جمال وصلاح سالم، والأخير استطاع أن يؤلب المجلس على نجيب، فبينَّ لهم خطورة نشاطه وخاصة عقب زيارته بلاد النوبة في الأسبوع الأخير من نوفمبر عام 1953.

أما جمال عبدالناصر فقد قال لمحمد نجيب في اجتماع مجلس قيادة الثورة في 20 ديسمبر 1953: "أنت عارف إزاي جبناك" ووصفه بالانعزالي، فاشتكى نجيب لعامر بأن المجلس يريد أن يجعل منه "طرطورًا". بل إن عبدالناصر -كما يروي صلاح نصر في مذكراته- أخذ يسب نجيب، وأوصى إسماعيل فريد -ياور نجيب- بأن يبلغ الرئيس هذا السباب، وكانت المناسبة إصرار نجيب على حضور الذكرى السنوية لوفاة الشيخ حسن البنا المرشد السابق لجماعة "الإخوان المسلمين" في 12 فبراير 1954.

كانت القشة التي قصمت ظهر البعير لتفجر الموقف في 21 فبراير 1954 عندما حضر محمد نجيب إلى مبنى مجلس قيادة الثورة لحضور اجتماع المجلس الأسبوعي.. وكان من المعتاد أن يصعد أعضاء المجلس إلى مكتب نجيب حيث كان يعقد الاجتماع، لكن الرجل ظل ما يقارب الساعتين دون أن يصعد إليه أحد يخبره بالاجتماع، فأرسل سكرتيره الخاص إسماعيل فريد إلى أعضاء مجلس الثورة الذين كانوا مجتمعين في مكتب عبدالناصر ليستفسر منهم عن سبب تأخرهم في الصعود إلى نجيب لعقد الاجتماع.. فما كان من جمال سالم إلا أن ثار كعادته وأخذ يسب نجيب ويلعنه. وعلم نجيب بما حدث فآثر السلامة وغادر مبنى مجلس قيادة الثورة.

وصلت الخلافات بين محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة إلى ذروتها عندما اتخذ المجلس قرارًا في غيبة نجيب بإعطاء صلاحياته في حالة عدم انعقاده إلى جمال عبدالناصر الذي تفرغ لمنصب رئيس الوزراء، ثم تعيين زكريا محيي الدين وزيرًا للداخلية وجمال سالم وزيرًا للمواصلات من دون أن يحلفا اليمين أمامه.

وفي 14 نوفمبر 1954 لم يؤد الحرس الجمهوري التحية العسكرية للرئيس محمد نجيب وهو يدخل قصر عابدين؛ ثم فوجئ بالصاغ حسين عرفة ومعه ضابطان وعشرة جنود يحاصرونه وهم يشهرون السلاح، فصرخ فيهم ليبتعدوا عنه. وما أن دخل مكتبه حتي اتصل بجمال عبدالناصر قائلًا: "إيه لعب العيال ده يا جمال".. فرد عليه: "سوف أرسل لك عبدالحكيم عامر". وبعد دقائق جاء عبدالحكيم عامر ومعه حسن إبراهيم ليقولا له في خجل: "إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئيس الجمهورية"، فغادر مكتبه من دون أن يحمل معه إلا المصحف.

جرى تحديد إقامة الرجل، وانتهى به الأمر حبيسـًا في قصر زينب الوكيل في ضاحية المرج أقصى شرق القاهرة.

ظل محمد نجيب حبيس قصر زينب الوكيل حتى عام 1982، عندما تمكن ورثة زينب الوكيل من الحصول على حُكم بطرد أول رئيس جمهورية بعد الثورة. حينها قرر الرئيس حسني مبارك تخصيص منزل أكثر ضعةً لنجيب في منطقة حدائق القبة، حتى توفي عام 1984.

تكريم اسم محمد نجيب خطوة محترمة. وأن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا.

إعلان

إعلان

إعلان