لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

صناديق مصر

صناديق مصر

أمينة خيري
09:07 م الإثنين 26 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما زاد عن الحد انقلب إلى الضد والصد والرفض. وما بدأ باعتباره مناشدة لأهل الخير لدعم المحتاج تحول ابتزازاً للمشاعر واستفزازاً للعقول. فدعوات للمشاركة في تشييد وتجهيز واستمرارية مستشفى لعلاج سرطان الأطفال انقلبت مطاردات بصرية وابتزازات عاطفية ومضايقات إعلانية.

الإعلان عن مصارف الخير، والتنويه عن جهات التصدق والزكاة أمر مقبول. والكشف عن المستور في الأوضاع الصحية والأحوال العلاجية مسألة حتمية. والتفكير خارج صندوق دعم الحكومة للمشروعات العلاجية (وإلى حد ما التنموية) والخروج إلى آفاق مشاركة المجتمع فكر مسموح ومحمود. لكن أن تستشري نداءات التبرع، وتستفحل مناشدات الدعم، وتتوحش مطالبات دب الأيدي في الجيوب إن لم يكن عنوة فبالتسلل عبر اختلاس المشاعر، فهذا غير مقبول.

غير مقبول أن تتكلف مثل هذه الإعلانات ربع مليار جنيه خلال عشرة أيام فقط في رمضان (لو صح ما نُشِر في أخبار اليوم). ألم تكن هناك وسائل أخرى لا تتكلف هذا المبلغ الطائل؟! وما هو المردود من هذه الكلفة؟ وهل هناك وسيلة للتحقق من حجم التبرعات، والقنوات التي تم إنفاقها فيها؟.

ولماذا طفحت الظاهرة لتمتد إلى مستشفيات جامعية وحكومية؟ وماذا عن بقية المستشفيات التي لم تنضم إلى جحافل طالبي التبرعات، هل الأمور فيها على ما يرام؟ أم إنها تهاوت وانهارت إلى الدرجة التي لم تعد قابلة للتفكير في عمل إعلانات تبرعات؟ ومن هو صاحب قرار قيام مستشفى ما بدخول قائمة طلب التبرعات؟ ومن الذي يحدد أولويات الصرف؟ وهل متلازمة المستشفيات والتبرعات وُجِدت لتبقى أم إنها إلى زوال؟ وهل الظاهرة المتوحشة تعني أن منظومتنا الصحية انهارت تماماً، أم إنها مجاراة لموجة أو فورة أو هوجة التبرعات الشعبية لتشييد مشروعات المنفعة العامة.

محطات الإذاعة المحلية الصغيرة ذات المنفعة العامة في الولايات المتحدة الأميركية قائمة على تبرعات المستفيدين. والمستفيدون هم عامة الشعب. والمتبرعون هم عامة الشعب. لكن بين المتبرع والمطالب بالتبرع شفافية ومكاشفة وعقد اجتماعي واقتصادي واضح وصريح. ادفع دولاراً وأنت على ثقة بأنك ستكون مطلعاً على قنوات صرفه، وستكون متابعاً لنوع وقيمة الخدمة المقدمة به عبر الأثير.

لكن أثير التبرعات المفتوح في مصر سداحاً مداحاً دون ضابط أو رابط أو رقيب أو محاسب يقف على طرف نقيض. وهو نقيض لا يحتاج إلى هدم وإغلاق وإجهاض بقدر ما يحتاج تنظيماً وترتيباً وتقييماً.

وأذكر في هذا الصدد أن منظومتنا الفكرية دفعتنا إلى تهشيم وتدمير المقاهي المنتشرة بطول شارع النزهة كرد فعل انتقامي من الدولة على حادث مقتل شاب في أحدها، رغم أن الدولة نفسها هي التي سمحت ببناء مقاهي مخالفة وتمددها وتشعبها وتجذرها. وأذكر أيضاً بالإزالة القاسية الضارية الجائرة الظالمة القبيحة غير المسببة لمترو مصر الجديدة، بديلاً عن حل مشكلاته التي كان يمكن حلها.

حل الآثار العكسية التي نجمت عن هذا الإفراط في إعلانات التبرع تحتاج جهداً وذكاء. أذكر من هذه الآثار على سبيل المثال لا الحصر: فقدان البريق المرتبط عادة بالأفكار الجديدة غير المطروقة، تقلص حجم التعاطف مع المرض والمرضى والحالة المرضية وهذه طبيعة بشرية اسمها الاعتياد، تسلل التشكك والريبة وتوغل التململ والتوجس جراء الهجمة الإعلانية التبرعية، لجوء البعض إلى الهروب بعيداً عن مواطن الملل (لكثرة الإعلانات) أو مواضع الشك (لعدم توافر المكاشفات والمصارحات والمعلومات) أو مباعث الحزن والهم (لكثرة التعرض لحالات مرضية) أو بواطن الخوف (حيث شعور لا إرادي بأن المرض قريب جداً طالما هو منتشر جداً).

ما زاد عن الحد تحول ضداً وصداً ورفضاً. ومصر ليست مجرد صناديق تبرعات مهما كانت الاحتياجات.

إعلان